د. صباح التميمي
التصوّف اتجاهٌ أديولوجي عقدي مشوبٌ بفلسفةٍ خاصة، تُحدّدُ فيه طبيعةُ علاقةِ (الأنا المتصوّفة) بالموجودات الفيزيقية والميتافيزيقية، وتنبثقُ الصلة بينه وبين الشعر من سعي كل منهما الى تصوّر عالم أكثر كمالاً من عالم الواقع.
ولا شك في أنّ الشاعرَ الصوفي في التراث هو صوفيٌّ قبل أن يكون شاعرًا، وإنْ كان شاعراً قبلَ أنْ يكونَ صوفيّاً، وبتعبير آخر إنّ الشاعرَ الصوفي التراثي يكابدُ التصوفَ، وينغمسُ في أجوائه على نحو حقيقي، مما يُضفي على تجربته الشعرية مناخًا خاصاً، ويمنحها هوية متميّزة؛ لذا نلاحظ هبوط مستوى (الشعرية) في الشعر الصوفي ولا سيما في القرون الأولى، إذ يُعنى الشاعرُ المتصوّفُ بالمحتوى العقدي، ولا يكترثُ للتعبير، وهذا يُقرّبُ الشعر الصوفي من الشعر التعليمي، أو الشعر العقائدي الصرف، ولا شك في أن هذا الشعر كان ذا مستوى فني منخفض بالموازنة مع أقرانه من الحقبة الزمنية نفسها، ومن هنا فإنّ محاولات محاكاة الشعر الصوفي غالبًا ما ستكون باردة صوفيّا حارة شعريًّا، لأن الشاعر المحاكي سيأخذُ قشورَ التصوف ويذرُ اللب، وأعني هنا بالقشور المصطلحات الصوفية الفارغة من روح التصوّف الحقيقي، وباللب: روح التصوف ومكابدات مريديه الحقيقيين.
ومن هنا فإن أيةَ محاولةٍ لإعادة انتاج التراث الصوفي شعريّا ينبغي أن تنبثقَ من اقتراب روحي حقيقي من لبّ التصوّف، ولا يقتضي هذا تقمّص الشخصية الصوفية شكليًّا، بل الارتفاع روحيا بالمستوى العاطفي، وحلول روح الشاعر المعاصر بروح المتصوّف الحقيقي، لكي تقترب تجربته منه، ولا ريب في أن الفضيلة ستكون لللاحق على السابق، لأن منطلقه سيكون مزدوجاً، شعريّاً -صوفيّاً.
في حين أن نجاح التجربة الشعرية المعاصرة صوفيّاً فنيّاً سيكون مرهوناً بالاقتراب من مناخات التصوّف روحيّاً في حركة داخلية مستبطنة تتجلّى بحركة خارجية ظاهرة يُمسك النص بلحظتها، ويؤطر نواياها.