طفلي يكذبُ دائماً

اسرة ومجتمع 2024/11/10
...

  سريعة سليم حديد

بداية.. من الطبيعي أن يكذب الطفل في بعض التفاصيل البسيطة التي يمر بها، مخافة العقاب أو للحصول على بعض رغباته، ولكن من غير الطبيعي أن يكرر فعل الكذب بشكل يطغى على أحاديثه اليومية، ويصبح الأمر ملحوظاً من قبل الجميع.
والكذب عند الأطفال هو عبارة عن إنكار الأفعال الخاطئة التي قاموا بها تجنباً للعواقب. وهذا الأمر يحدث بشكل طبيعي، ولكن في حال تكراره بشكل كبير، يتحوَّل الأمر إلى مشكلة يتوجب على الأهل حلها بلا شك.
إن صغر عمر الأطفال، وتأثرهم بالحكايات التي يسمعونها، يدفعهم إلى تأليف القصص الخيالية التي يسرحون في سردها، ويكررون ذلك مراراً، وخاصة أمام أصدقائهم، هناك أيضاً أطفال يميلون لخلق أحاديث خيالية غير منطقية غاية في جذب اهتمام من حولهم، وإظهار براعة ما في طريقة نسج القصص الكاذبة.
إلا أن من أكثر أسباب الكذب عند الأطفال هو الخوف من العقاب بالدرجة الأساس، وهذا الأمر يحصل نتيجة العقاب المستمر الذي تلجأ إليه الأسرة لتصحيح الخطأ ومنع الطفل من تكراره.
وقد يكون سبب الكذب رغبة الطفل في إلحاق الأذى بالآخرين، وهذا الأمر يأتي بدافع الانتقام والغيرة، ويعد هذا النوع من أخطر أنواع الكذب على نفسية الطفل، لأنه يفكِّر في إيذاء الآخرين بطرق محكمة ومخطط لها، ما يجعل الطفل ميالاً إلى العدوانية، وقد يلجأ الطفل إلى الكذب غاية في حماية بعض الأشخاص المقربين له، أضف إلى ذلك رغبة منه في كسب عطف الآخرين ونيل بعض رغباته، ومنهم من يكذب من أجل الحصول على اهتمام من حوله من رعاية وحنان، وغالباً ما يحدث ذلك عند حدوث تقصير من الوالدين في إظهار الاهتمام والحب تجاه الطفل.

علامات الكذب
يظهر على الطفل أنه يأخذ وقتاً طويلاً للرد على السؤال الموجه إليه، هذه المدة تشير إلى أنه يكذب بلا شك، استغراق الوقت الطويل يعني أن الطفل يفكِّر في إيجاد جواب يكون مقنعاً من وجهة نظره لمن يسأله، وأيضاً عندما يحاول الطفل تغيير الموضوع المطروح أمامه، فيعمد إلى تقديم معلومات لا علاقة لها بالأمر على الإطلاق.
يلاحظ على الطفل ارتفاع نبرة صوته في الحديث على غير المعتاد، وذلك عندما يكذب، يحدث هذا لأنه يشعر بعدم الأمان والراحة لما يذكر.
قد يظهر القلق والتوتر على الطفل، وهو يروي الحديث، ويبدو أنه يفكِّر في كل كلمة ينطقها، ويعمل قدر استطاعته على جعل القصة قريبة من التصديق، كما تبدو على الطفل الحركات العدوانية عند توجيه الشك إليه بأن كلامه غير صادق، وتبدو نبرة صوته مضطربة، فقد يتلعثم أو يتأتئ، ولا ينظر إلى وجه محدثه بشكل سليم، على خلاف الوضع العادي، فهو ينظر إلى وجه محدِّثه بثقة، ولكنه عندما يكذب يتحاشى ذلك الأمر الذي يعني أنه يكذب. أضف إلى ذلك أنه يكرر بعض الجمل بشكل مضطرد، وبتلعثم وبطريقة غير منطقية.
يبدو على الطفل التململ، وهو علامة مؤكدة على أنه يكذب، وبالوضع العام يكون كثير الثرثرة، في محاولة لشرح موضوعه والدفاع عنه.

كيفية التعامل؟
من المهم لأولياء أمور الطفل أن يعرفوا لماذا طفلهم يكذب؟ لمعالجة المشكلة حالاً وبالطرق السليمة بعيداً عن التعنيف والشتم والذم.
وهذه المحاولة قد تساعد إلى تجنب المواقف التي قد تدفع الطفل إلى الكذب، والتعامل معه بلطف ومحبة، وعدم إجباره على القيام بأشياء لا يحبها.
إذا لم يجد الطفل الذي يكثر من فعل الكذب من ينبهه إلى هذا الوضع الخطأ، ويحاول ضبط مشكلته بشكل جيد، فسوف يتحوَّل الكذب إلى سلوك سيئ من الصعب عليه أن يتخلَّى عنه، من هنا يتوجب معالجة الأمر بجدية واهتمام، وبأسلوب هادئ بعيداً عن التوبيخ، وإعطاء الطفل فرصة لقول الحقيقة. كما ويفضل عقاب الطفل بحرمانه من أشياء يحبها، مثل متابعة بعض برامج الأطفال أو أفلام الكارتون التي يواظب عليها أو زيارة جدته، على ألا تطول مدة العقاب، كما يمكن ترغيب الطفل إذا قال الحقيقة بتقديم أشياء يحبها، على أن يتحقق له ذلك، ولكن ليس بشكل مستمر كي لا يطمع الطفل في الحصول على ما يريد، ويضع نفسه موضع التبادل والمقابلة.

تغيير نمط التعامل
هناك بعض الخطوات التي من شأنها مساعدة الطفل على الابتعاد عن الكذب، منها: عند ملاحظة الإفراط في تكرار الكذب عند الطفل  لا بد من اتباع الحلول التالية بحيث يعتمد الوالدان على تغيير نمط التعامل مع الطفل، ويكون ذلك في عدم عقابه بقسوة في حال قام بفعل يستحق العقاب من وجهة نظريهما، كذلك يجب الابتعاد عن السخرية وذم الطفل سواء في البيت أم المدرسة في حال قام بأي خطأ. كما يمكن للأهل توفير جو من الاطمئنان والحب والاهتمام بالطفل، فهذا الشعور يعزز لديه في حال قام بفعل خاطئ أن يعترف به ولا يكذب.
إن التعود على التعامل في البيت ضمن قول الحقائق من دون اللجوء إلى الكذب، وهذا ينطبق على كل أفراد الأسرة، وخاصة الوالدين، بالتالي يصبح التعامل بين أفراد الأسرة على الطريق الصحيح بحيث يلجأ الطفل إلى تقليد من حوله. أضف إلى ذلك، إيضاح نتائج الكذب أمام الطفل من خلال مقارنة نتائج الأفعال الكاذبة بنتائج الأفعال الصادقة، مع محاولة تشجيعه على الصدق وإن الأسرة تفخر بطفلها وتمدح به أمام الآخرين لأنه صادق، ما يشجعه على قول الحقيقة دائماً، ومحاولة الأهل البحث عن القصص الطفولية التي من شأنها أن تحمل أخلاقاً اجتماعية وتعزز سلوك الطفل وتنميه وخاصة في ما يتعلق بأمور الكذب.
من المهم توفير جو مطمئن للطفل أثناء تبادل الحديث معه، ما يشعره بالثقة، وخاصة عند ترك فرصه له للتحدث عن مشاعره وتجاربه وما يحدث معه، من الممكن أيضاً تقديم نماذج إيجابية للطفل للاقتداء بها، وذلك من ضمن المحيط الذي يكون قريباً منه حتى يطلع عليه ويقلده، كما يمكن لمراقبة سلوك الطفل بشكل دقيق الانتباه إلى ما يقوم به من أخطاء، وبالتالي تصحيحها بطرق سليمة بدل اللجوء إلى التعنيف والشتم والإهانة.
في حال فشل الوالدين في تقويم سلوك الطفل الكذَّاب، فعليهما اللجوء إلى طبيب مختص في التربية أو طبيب نفسي، من شأنهما تقديم العلاج المناسب للمشكلة.
إن الكذب لدى الأطفال أمر
طبيعي، ولكن ليس من الطبيعي استمرار هذه المشكلة، لذلك يجب الحد من تفاقمها، وتحولها إلى
سلوك سيئ، قد يؤدي إلى مشكلات كبيرة، فقد يصبح الطفل فاشلاً اجتماعياً، ويلاقي ردات فعل غير محمودة.