بغداد: الشعبة الاقتصادية

في ظل التحديات الاقتصاديَّة المتزايدة التي يواجهها العراق، يعدُّ فهم الواقع الاقتصادي بشكلٍ دقيقٍ وتحديد أولويات التنمية، من الخطوات الأساسيَّة، لتحقيق الاستقرار والنمو المستدام.
ففي وقتٍ يعاني فيه الاقتصاد العراقي من تحدياتٍ كبيرة، يأتي التعداد السكاني كأداة حيويَّة لتوجيه السياسات الاقتصاديَّة بشكلٍ دقيق، من خلال توفير بياناتٍ شاملة عن توزيع السكان، إذ يساعد التعداد في تخصيص الموارد بشكلٍ أكثر عدالة وفعاليَّة، ويسهمُ في تعزيز النمو الاقتصادي وتحقيق التنمية المستدامة في مختلف القطاعات.
المدير التنفيذي لصندوق العراق للتنمية محمد النجار، وصف التعداد السكاني بـ"المهم والخطوة التي تسهمُ في توجيه الاستثمارات، التي تعجل بالخطوات التنمويَّة في عموم مناطق العراق"، ولفت الى أنَّ "توجه الحكومة يذهب صوب جذب الجهد الدولي الى سوق العمل الوطني بالشكل الذي ينهض بالاقتصاد".

رؤية واضحة
وأضاف النجار في حديث لـ "الصباح": إنَّ "التعداد السكاني يمنح القائمين على الملف الاقتصادي رؤية واضحة عن الواقع الاقتصادي بما يخلقه من قاعدة بيانات، تمثل منطلقاً للسياسات الاقتصاديَّة، التي تهدف الى معالجة الخلل في البناء الاقتصادي".
وأشار إلى أنَّ "هذه الخطوة سوف تعكس واقع الثروة البشريَّة ونسبة الشباب بدقة، إذ يمثلون قوة اقتصاديَّة مهمَّة، يمكن أنْ توظف في قطاعات المعرفة والاستثمار ومختلف مفاصل الاقتصاد، التي تملك مقومات النهوض والتطور".

قاعدة بيانات
الباحث في الشأن الاقتصادي عماد المحمداوي، قال في حديث لـ"الصباح": إنَّ "التعداد العام للسكان، إجراءٌ إحصائيٌ، يمثل قاعدة بيانات عن أعداد العراقيين وطبيعة عملهم"، لافتا الى أنه "الأول من نوعه منذ عشرات السنين، إذ أجري آخر تعداد في العام 1987".
وأضاف، إنَّه "عملٌ تنمويٌ، الغاية منه توجيه موارد البلد في الاتجاه الصحيح، على العكس مما يتم تداوله من معلوماتٍ مغلوطة بأنَّ الهدف من التعداد فرض الضرائب، وقطع الإعانات"، لافتاً الى أنَّه "إجراءٌ يخدم البلد اقتصادياً واجتماعياً من خلال، معالجته للفقر والبطالة ومعرفة الأسر المحتاجة وعدد العاملين والعاطلين عن العمل والنهوض بالواقع الاقتصادي عموماً".

استقطاب الشركات
وعدَّ المحمداوي التعداد، بمثابة "رسالة اطمئنان للمواطنين وللبلد على حدٍ سواء، بمعنى أنَّ البلد بات بمنأى عن المخربين والأعمال الإرهابيَّة، وبوضعٍ يسمح له بهذا الإجراء الكبير والمهم، واستقطاب الشركات والاستثمارات للبلد".
وأشار الى أنَّ "التعداد، سيحدد العدد الفعلي للسكان المتواجدين داخل البلد، والمقيمين خارج البلد بالتعاون مع وزارة الخارجيَّة لاحقاً، كما سيتم إحصاء غير العراقيين العاملين والمقيمين، بما يسهم بحصر أعدادهم ومعرفة ظروف معيشتهم".

البيانات الاقتصاديَّة
بدوره عدَّ الباحث في الشأن الاقتصادي الدكتور أحمد الراوي في حديث لـ"الصباح" التعداد بأنَّه "أهمُّ مصدرٍ من مصادر البيانات الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة لجميع دول العالم"، مشيراً الى أنَّ "معرفة نتائج التعداد تمكن من رسم السياسات العامَّة ووضع الاستراتيجيات المرتبطة بالاستثمار والإسكان والتعليم والصحة والاستثمار الرأسمالي المرتبط بشبكات الطرق والاتصالات وتطوير الخدمات العامَّة والبرامج التنمويَّة، يرافق ذلك تمكين الدول من توزيع الميزانيات بين المناطق الإداريَّة وفقاً للاحتياجات التنمويَّة".

عجلة التنمية
وتابع الراوي "كما أنَّ التعداد يفيدُ جداً بتمكين القطاع الخاص والمستثمرين في دفع عجلة التنمية والرفع من مستوى التخطيط الحضري ودعم صناع القرار في اتخاذ القرارات".
وأضاف أنَّ "النظرة الاقتصاديَّة للسكان تنحصر بجانبين: الأول يعد الــسكان قــوة اســتهلاكيَّة تمــارس ضــغوطاً علــى المــوارد الاقتــصاديَّة المتاحـة، وأنَّ هـذه الـضغوط تـزداد حـدتها كلمـا كانـت المـوارد محـدودة وأحاديَّة الجانب".

قــوةٌ اســتهلاكيَّة
الراوي أوضح، أنَّ "التأثير واضحٌ فـي الاقتـصادات الريعيَّة والأقـل تنوعـاً كالعراق الذي يعتمـد علـى موردٍ رئيسٍ هو المتحقق من صادرات النفط الناضـب، فـي حـين لا توجد محاولاتٌ جادة لتنويع اقتصاده"، لافتاً الى أنَّه بالمقابل يشهد تزايـداً مـستمراً فـي عـدد السـكان"، مؤكداً أنَّ هــذا العــدد المتزايــد مــن الــسكان سيــشكل قــوة اســتهلاكيَّة ترغب في إشباع احتياجاتهــا المتزايــدة والمتجددة من الإيرادات التـي يوفرهـا مورد النفط، وذلـك علـى حـساب ذلـك الجـزء الـذي فشل في تحويله نحو تمويل عمليَّة التنمية الاقتصاديَّة".

العمليَّة الإنتاجيَّة
وأكد "بينما يتمثل الجانب الآخر باعتبار الـسكان قـوة إنتاجيَّة تـسهم، من خلال عملهـا وخبراتهـا ومهاراتهـا وقــدراتها علــى التنظــيم وإدارة العمليَّة الإنتاجيَّة فــي اســتغلال المــوارد أو عنــصراً مــن عناصــر الإنتاج، حتى في حالـة كـون المـوارد محـدودة، والمـساهمة فـي خلـق تيـارٍ مـستمرٍ من إنتاج وتــدفق الــسلع والخــدمات، وبالشكل الذي يحقق التوازن بين ما ينتجه المجتمع وبين ما يحتاجه".
وبين أنَّ "التعداد العام للسكان يعدُّ الأداة المثاليَّة المُحكمَة التي يمكن من خلالها تشريح القطاعات البشريَّة والأنشطة الصادرة عنها تشريحاً بنيوياً على وفق مؤشرات رقميَّة وحسابيَّة دقيقة، تساعد على دقة التخطيط الآني والمستقبلي، وتضمن عمق الاستشراف التنموي".
تعدادٌ تنموي
وأضاف، أن "التعداد السكاني يأتي من ضمن أولويات البرنامج الحكومي، كونه يعدُّ أول تعدادٍ تنموي تقوم به وزارة التخطيط"، مبيناً، أنَّ "الحكومة دعمت إجراءات التعداد، لأنه يمثل استحقاقاً وطنياً ودستورياً" مشيراً إلى أنَّ "التعداد سيرسم للحكومة والحكومات اللاحقة خارطة التنمية وتقديم الخدمات والمشاريع للمواطنين"، منبهاً الى أنَّ "بيانات التعداد سيتم استخدامها للتنمية واستشراف مستقبلٍ أفضل للعراقيين وتحقيق حالة من الاستقرار السكاني".

تحليل البيانات
وذكر أنّ "التعداد العام للسكان، هو جمع وتجهيز ونشر وتحليل البيانات الديموغرافيَّة والاقتصاديَّة والاجتماعيَّة المتعلقة بالسكان وتوزيعهم الجغرافي في زمنٍ معينٍ، وسيشهد هذا الإجراء فرض حظر للتجوال ومنع حركة التنقل بين المدن والأقضية والنواحي والمحافظات والهدف من ذلك ضمان مشاركة المواطنين بالتعداد داخل مناطقهم وتحديد حاجاتهم".
قطاعاتُ التنمية
وكان قد بين المتحدث باسم وزارة التخطيط، عبد الزهرة الهنداوي، لـ"الصباح" أنَّ "التعداد السكاني سيتيح رسم صورة شاملة حول المستوى الاقتصادي والتنموي في العراق، عبر قاعدة بياناتٍ متكاملة تشمل جميع قطاعات التنمية المختلفة من خلال بيانات دقيقة عن الأفراد". وأضاف الهنداوي أنَّ "هذه البيانات، التي سيتمّ جمعها من خلال استمارة، تتضمن مجموعة كبيرة من الأسئلة، ستشكل قاعدة معلومات إحصائيَّة متعددة القطاعات، ما يسهم في توجيه السياسات الحكوميَّة بشكلٍ أدق وأفضل.

فعالياتُ التنمية
يذكر أنَّ عضو منتدى بغداد الاقتصادي عبد العزيز الحسون قال: إنَّ "التعداد السكاني يمثل الجزء الأهم في أيَّة خطط أو برامج تضعها الحكومة، إذ يهيئ لها القدرة على توزيع فعاليات التنمية والإعمار بين جميع مناطق البلاد، فضلاً عن أنَّه يوفر مؤشراتٍ حقيقيَّة لتوزيع مشاريع التنمية بين مختلف المديات المتوسطة والطويلة المدى، وفقاً لمعدلات الزيادة السكانيَّة، التي هي في العادة بحاجة وتهيئة مسبقة لتوفير متطلبات رفع مستواها المعيشي والاجتماعي".

الاستثمار الرأسمالي
لذلك لا بُدَّ من المهم التوضيح بأنَّ الهدف الأساسي من التعداد، أنه يُعدُّ أهم مصدرٍ من مصادر البيانات الاجتماعيَّة والاقتصاديَّة لجميع دول العالم، إذ يمكنهم استخدام نتائج التعداد في رسم السياسات العامَّة ووضع الاستراتيجيات المرتبطة بالتعليم والصحة والإسكان والاستثمار الرأسمالي المرتبط بشبكات الطرق والاتصالات وتطوير الخدمات العامَّة والبرامج التنمويَّة عموماً، هذا فضلاً عن تمكين الدول من توزيع الميزانيات بين المناطق الإداريَّة وفقاً للاحتياجات التنمويَّة. كما أنَّ التعداد يفيد جداً في تمكين القطاع الخاص والمستثمرين في دفع عجلة التنمية والرفع من مستوى التخطيط الحضري ودعم صناع القرار في صناعة
القرار.