المعرفةُ العاديةُ.. أو المعرفةُ بكلِّ شيءٍ

ثقافة 2019/06/28
...

د. محمَّد حسين الرفاعي
1
لا الرأي، لا وجهة النظر، لا “فهمي الخاصّ”، لا “من زاويتي”، لا “احترام رأي الآخرين”،... إلخ، كل هذي العبارات وما يقع، ويُحدَّدُ على شاكلتها، لا تنتمي إلى المعرفة العِلميَّة بموضوعات العالَم. إنَّها عبارات، وأفهام، مهما بلغت من العمق، تبقى خارج بناء الفهمِ بالعالَم، على نحوٍ علميٍّ. فإذن إلى ماذا تنتمي؟ وفي أي معنى توظَّفُ وتُستخدمُ؟
2
في الحقيقة، متى أخذت الحقيقة كتعدُّدٍ، ينتمي هذا النوع من الكلام، وإبداء الرأي بكل شيء، والتصريح من كل زاوية، والتعبير عن وجهة النظر بشأن كل شيء، إلى ضرب من ضروب الفهم، متى تم التَّساؤلُ عن الفهم من خارجه، هو يريد أن يُحدِّدُ لآخر مرة، [في- كُلِّ- مَرَّةٍ]، الفهمَ، ويغلقه. إنَّه ضروب فهم المعرفة العادية. ويمكن أن نستجلي ماهيَّة المعرفة العاديةضمن ثلاث لحظات مَنْهَجيَّة. هي تتضمَّنُ التَّساؤل عن المصادر المعرفيَّة لها، والبنية الخاصَّة التي من شأنها، والوظيفة المجتمعيَّة التي تؤديها. 
3
تتمثَّل المصادر المعرفيَّة الخاصَّة بالمعرفة العادية، والتي تُحدِّد ماهيتها،في ما يرتبط بتجسُّداتٍ مختلفةٍلثلاثةِ عناصرٍ أساسيَّةٍ، على أقلِّ تقدير. ففيما يرتبط العنصر الأول بماهية التَّفكير في الموضوعات عند مستوى تجسداتها في الخارج، كما تبدو في الوهلة الأولى؛ يرتبط العنصر الثَّاني بالآيديولوجيا والحُكم الآيديولوجي على الموضوعات، وتحديدها، ويتعالق العنصر الثَّالث بـ[اليوميَّة]. ولكن كيف يمكن للمعرفة العادية أن تستجيب للموضوعات في العالم؟ وتبني فهماً بشأنها؟ 
4
إنَّه تساؤل البِنيَة Structure، وماهية البِنيَة، على نحو بحيث هي تسمح لهذي المصادر الولوجَ في تحديدها، وإعادة تحديدها، [في- كُلِّ- مَرَّةٍ]. بِنيَة المعرفة العادية، انطلاقاً من مصادرها المعرفيَّة، هي بِنيَة العلاقات بين مصادرها المعرفيَّة. وعلى ذلك، إنَّ ماهيَّة العلاقة بين [الفهم- من- الخارج]، والآيديولوجيا، و[اليوميَّة]، لهي تمثُلُ، أمام التصوُّرات الإبستيمولوجيَّة- العِلميَّة، في [إغلاق- الفهم] عند مستوى بعينه. ولكن، كيف تُفهم عمليَّة [إغلاق- الفهم] عند مستوى بعينه؟ 
5
إنَّها تُفهم بالانطلاق من الوظيفة الآيديولوجيَّة للمعرفة العادية. تسعى المعرفة العادية، إلى تأدية وظيفتين مجتمعيَّتَيْن على أقل تقدير. تتمثَّل الوظيفة الأولى، التي من شأن المعرفة العادية، في حماية المؤسسة المجتمعيَّة، كما هي. وتتضمن الوظيفة الثَّانية لها، الحفاظَ على آيديولوجيا قوى السلطة، متى فُهمت في المعنى الواسع لها، بدءاً من سلطة اللُّغة، والكلمة، وصولاً إلى مستوى ممارستها في السطح: أي السلطة السياسية، وحقل وجودها الخاصّ. 
6
وبناءً على ذلك، فإنَّ تفكيك المصدر المعرفيّ، وتفكيك البنية، وتفكيك الوظيفة، التي من شأن المعرفة العادية، لهي أوَّل محطة مَنْهَجيَّة في أي عمل يريد أن يبني فهماً علميَّاً بموضوعات العالَم؛ انطلاقاً، دائماً قَبْلِيَّاً، من [حقل- الفهم] الخاصّ بالمعرفة العِلميَّة، وإنتاج، وإعادة إنتاجها. 
المعرفة العِلميَّة، خلافاً لما يُتصوَّر، هي لا تعترف بوجهات النظر، ولا هي تحترم الآراء، ولا هي تقوم على “فهمي الخاصّ”، و”رأيي”، و”من زاويتي”،.. إلخ. فإنَّ لها لغتَها، ومفاهيمها، وأفكارها، ونمط وجودٍ خاصاً. ولو لا ذلك، لما كانت الآكاديميا في حياة البشر.