مرتضى النداوي
المخدرات من نوعية المعضلات العنقودية، أي إنها تأتي مع حزمة من المشكلات الأخرى المتعلقة بالجوانب الأمنية والاقتصادية والاجتماعية، ففي سبعينيات القرن الماضي عندما أمست الولايات المتحدة مستنقعا وهدفا لكميات كبيرة من الهيرويين القادمة من كولومبيا وفيتنام ومع انتشار ادمان هذه المواد انتشر مرض نقص المناعة المكتسبة (HIV) بشكل رهيب جراء طرق تعاطي هذه المادة التي فتكت بالبنية الاجتماعية حينها وما زالت تمارس ذات الدور لكن بسبل جديدة.
وبالحديث عن انتشار المخدرات في العراق فهو يفوق التعبير الدارج الذي يجعله كالنار في الهشيم، إذ تشير الاحصائيات من وكالات أنباء ومراكز بحثية أن نسبة المتعاطين التي تتراوح أعمارهم بين 16- 35 تصل إلى 50% وهو لعمري خطر جلل خاصة وأن الإحصائيات تشير إلى أن نسبة 70% من هؤلاء المدمنين يقطنون المناطق والأحياء الفقيرة، وكل نوعيات المخدرات في كفة والـ(كبتاجون) في كفة أخرى إذ يشير التقرير الصادر عن (مكتب الأمم المتحدة المعني بالجريمة والمخدرات) (UNODC) إلى أن الحجم المالي لتجارة المادة المذكورة قد فاق الـ(114) مليون دولار في عام 2023 لوحده، وما يبعث على القلق أن منحنى الكميات المضبوطة شهد ارتفاعا كبيرا بين عامي 2022 و2023، إذ تشير الدالة لفارق يضاهي الثلاثة أرباع من الكميات المضبوطة في عام 2022، وهو أمر يدل على شيئين الأول أن هنالك جدية من قبل الجهات المعنية بمكافحة المخدرات، والشيء الآخر هو أن هذه الإشكالية آخذة بالتصاعد والتعقد مع الوقت بشكل متسارع.
أما الجانب الجيوسياسي للمشكلة متمثل بثلاثة خطوط لتجارة المخدرات الأول الخط الشرقي المتجه إلى شمال العراق والآخر القادم من ذات الاتجاه نحو الجنوب والأخير والأخطر هو الخط القادم من الغرب نحو الوسط والجنوب، الأمر الذي يفكك مشكلة هذا الخط هو اعتماد النظام الذي قد طويت صفحته في سوريا على إنتاج والاتجار بالـ(كبتاجون) بعد أن كانت تعتمد اقتصاديًا على صادرات متنوعة من الأغذية والألبسة، والسبب يعود إلى سهولة انتاج هذه المادة، واحتمالات ادمانها من المرة الأولى من الاستعمال وأرباحها السريعة. هذه المدركات توضح الأبعاد الجيوأمنية والجيواقتصادية للمشكلة، أما الأبعاد الصحية فحدث ولا حرج لأن ما لا ندركه بسبب فقر الثقافة الصحية هو أن أي ممارسة قابلة لأن تكون إدماناً مثل تناول الطعام والسجائر والسُكّر والإباحية والقائمة تطول، لأن الانتشاء والسعي وراءه لا يحده حد وعلى هذا الأساس، يتوقع أن يستفحل انتشار تناول مادة (الميلاتونين) من دون استتشارات طبية وبالتالي ستكون مشكلة أخرى، وبحسب أحد المفكرين العراقيين فإن "التعايش مع الأخطاء أمر يهدد الأمن القومي" وعليه يقع على عاتق الدولة تقنين بيع وشراء بعض المواد الطبية كونها تؤثر في الصحة الجسدية والنفسية بسبب الانسحابات المترتبة على تناولها، وللقارئ أن يتخيل بعد هذا كمية وخطورة الانسحابات الاجتماعية من تصاعد دوال الجريمة المرتبطة بالإدمان والتفكك الأسري بسبب سعي المدمن للانتشاء بأية طريقة من الطرائق، لأن غياب الوعي ولو جزئيا يأتي بالضرورة بعد غياب الوازع الأخلاقي والقيمي بفعل غريزة اشباع الرغبات التي ما إن تسيطر على الفرد تخرجه من دائرة البشرية نحو ما دون الحيوان، وهو أمر مفسر للكثير من الفوادح الاجتماعية والأسرية التي يعرض المدمنون لها أنفسهم وذويهم ومجتمعاتهم، والآن ووفق النسب المذكورة من المدمنين يمكن تخيل كمية الأسر المتأثرة المخدرات وحجم التفكك الأسري، الذي يطولها وكمية الأطفال الذين يولدون مدمنين، والأطفال الذين يجعلونهم أباءهم مدمنين لمواد معينة مثل مادة (الميلاتونين) التي تستعمل بدعوى تنظيم نوم الأطفال.
سيكون من غير المعقول إلقاء حبل المشكلة على غاربها، أو الاكتفاء بما تقدمه الجهات الحكومية المختصة من مواجهة لظاهرة المخدرات لوحدها، فهذا من المضحكات المبكيات، بل يجب أن نفهم أن ما يجري هو مشكلتنا وحربنا نحن جميعًا والتي لا تحتمل التأجيل البتة، فهنالك الكثير من الحلول والممكنات التي تبدأ من اهتمامات كل فرد وممارساته وجعلها منطلقا لتحقيق التأثير الإيجابي، فحقيقة الثقافة هي أن يقوم كل فرد بتوسيع دائرة الأفعال الصحيحة في الفضاء العام على حساب الأخطاء والأغلاط، وإصراري على الممارسات متأتٍ من أن الشباب لا تلفتهم الندوات والحديث بل الفعل والانخراط في ممارسته.