عبدالزهرة محمد الهنداوي
منذ اللحظات الأولى لإعلان سقوط نظام الأسد في سوريا، فجر الثامن من كانون الاول 2024، تضبب المشهد وغابت ملامحه، وأمسى العالم يترقب تداعيات ذلك السقوط، الذي يبدو أنه لم يكن مفاجئاً للكثيرين، وأنا منهم، فقد رابني صمت الاسد الذي يشبه صمت أهل القبور، ازاء ما كان يحدث في غزة وبعدها في جنوب لبنان من فتك صهيوني هناك، حتى بعد استشهاد السيد نصر الله، وما تلاه من أحداث هزّت المنطقة بالكامل، إلا أن (الاسد) لم يحرك ساكنا، برغم انه كان يمثل محورا من محاور المقاومة!، فقلت إن ثمة عاصفة قادمة بعد هذا الصمت، فالرئيس كان يدرك تماما أن أيامه أصبحت معدودة، وانه راحل لا محالة. وهنا لستُ بوارد الحديث، عما كان، بل عمّا هو كائن، وما سيكون، على ضوء ما آلت اليه مسارات الأحداث في الجارة سوريا.
الامر الذي لفتني في تداعيات التغيير السوري، هو اننا نحن العراقيين (ولسنا جميعا بالتأكيد)! وجهنا سهام الجلد المبرح للعراق، فأنا أتابع مجموعات الواتساب، التي تضم النخب العراقية بمختلف توجهاتها، آلمني كثيرا وقع (التواثي) على رأس العراق!، والنيل من التجربة العراقية، التي مرّت بظروف وتحديات ومطبات تشبه الأعاصير، في بعضها، وتمظهر جلدُ العراقيين للعراق، من خلال المقارنة بين التجربة السورية، التي (لم تطلع اربعينها) حتى الان، وبين ما شهده العراق على مدى العقدين ونيّف الماضيين. ولستُ أدري ما جدوى هذه المقارنة، ولمَ هذا الجلد للعراق، في كل صغيرة وكبيرة، وكأن هؤلاء الجلادون، يطلبون العراق ثأراً، وها هي الفرصة قد حانت لأخذ ثأرهم مربعاً! متناسين أن كثيرا من المطبات العنيفة التي تعرّض لها العراقيون والعملية السياسية في العراق، كان أبطالها، قادة التغيير الذي شهدته سوريا!
نعم، ان سوريا دولة جارة، ويرتبط العراقيون مع السوريين بعلاقات ووشائج اجتماعية متينة، نفرح لفرحهم، ونحزن لحزنهم، ونتمنى لهم كل خير، وهم بالتأكيد يشاركوننا ذات المشاعر، ولكن ليس من السهولة أن نطمئن لمجريات الأحداث، في ظل ما تعرضنا له من هجمات دامية حلّت بنا في سنواتنا السابقة، شنها علينا الأخوان الذين اصبحوا اليوم حكّاما لسوريا ! لذلك فعندما نتوجس خيفة، وان نكون على اعلى مستويات الحيطة والحذر، انما لكي لا نُلدغ مرةً ثانية، لاسيما أن الذي لدغنا أولا، كان لصاً دخل الينا خلسة، واليوم صار حاكما! ولان الضبابية وعدم الوضوح ما زالت تكتنف المشهد، لذلك ينبغي ان نكون حذرين قبل اطفاء الضوء الأحمر، لنتحول مباشرة إلى اشعال الضوء الاخضر!!! علما أننا لسنا الوحيدين في حالة الترقب والانتظار لما ستؤول اليه التجربة السورية، انما العالم كله يراقب بذات النظرة، بانتظار ان تتوضح الصورة، والتأكد من سياسة الحكم السوري الجديد، بالأفعال لا بالأقوال.