القاضي كاظم عبد جاسم الزيدي
يعدُّ حق الدفاع من الحقوق المقدّسة وهو من أهم الحقوق التي حرصت على توفيرها الدساتير والمواثيق الدولية فحق الدفاع ليس مجرد ميزة أقرها القانون بل حق طبيعي وهو لم يوجد لمصلحة المتهم وحسب وإنما وجد لمصلحة العدالة وهو يتعلق بحماية حقوق الانسان وهي المهمة الأولى المقدّسة، وقد نص الدستور العراقي النافذ لعام 2005 على حق الدفاع حيث نصت المادة 19 / رابعا : (حق الدفاع مقدس ومكفول في جميع مراحل التحقيق والمحاكمة، وفي الفقرة خامسا منها على (المتهم بريء حتى تثبت إدانته في محاكمة قانونية عادلة، ولا يحاكم المتهم عن التهمة ذاتها مرة أخرى بعد الإفراج عنه إلا اذا ظهرت أدلة جديدة) وقد نصت الفقرة الحادية عشرة منها على : (تنتدب المحكمة محاميا للدفاع عن المتهم بجناية أو جنحة لمن ليس له محام يدافع عنه وعلى نفقة الدولة)، ولا شكَّ بان مهنة المحاماة تبدو احد العناصر الرئيسية التي ترتكز عليها العدالة، وأنها تشارك القضاء في تحقيقها وان تأمين تواجد المحامين إلى جانب المتهمين العاجزين عن توكيل محامين لهم هو خير ضمان لحق الدفاع المقدس،وان حضور المحامي في التحقيق والمحاكمة يفرض رقابة على تصرفات المحقق اثناء استجواب المتهم ومن ثم فانه يحمي المتهم من الاستغلال، وان الغرض الأساسي من حضور المحامي هو ان يجد المتهم الطمأنينة والأمان وان تواجد المحامي للدفاع عن المتهم وفي كل مراحل الدعوى هو خير ضمان للتأكد من ان عملية التحري والضبط والقبض والتوقيف قد جرت وفق القانون، ووفقا لاحكام أمر سلطة الائتلاف المؤقتة المنحلة في العراق المرقم (3) لسنة 2003 فإن انتداب المحامي يتم في دعاوى الجنح والجنايات وعلى قاضي التحقيق أو المحقق ان يستجوب المتهم خلال اربع وعشرين ساعة من حضوره، بعد التثبت من شخصيته وإحاطته علما بالجريمة المسندة اليه، ويدون أقواله بشأنها، مع بيان ما لديه من أدلة لنفيها عنه، و له ان يعيد استجواب المتهم فيما يراه لازما لاستجلاء الحقيقة، وقبل إجراء التحقيق مع المتهم يجب على قاضي التحقيق إعلام المتهم ان له حق السكوت ولا يستنتج من ممارسته هذا الحق أي قرينة ضده وان له الحق في ان يتم تمثيله من قبل محام وان لم تكن له القدرة على توكيل محام تقوم المحكمة بتعيين محام منتدب له دون تحميل المتهم أتعابه، وعلى قاضي التحقيق أو المحقق حسم موضوع رغبة المتهم في توكيل محام له قبل المباشرة بالتحقيق، وفي حال اخبار المتهم توكيل محام فليس لقاضي التحقيق أو المحقق المباشرة بأي إجراء لحين توكيل المحامي وتتحمل الدولة أجور المحامي المنتدب من خزينة الدولة، وتقع على عاتق المحامي المنتدب عدة واجبات منها الأمانة والصدق والنزاهة فلا ينبغي ان يغش موكله وواجب الدفاع عن المتهم وواجب الحفاظ على أسرار المهنة وان يلتزم بما تفرضه عليه تقاليد المهنة وآدابها ويجب على المحامي المنتدب الاطلاع على الأوراق التحقيقية وقراءتها بدقة وان يبذل في دفاعه العناية المطلوبة والأصل هو ان قرار المحكمة بانتداب المحامي هو قرار إلزامي ولا يحق للمحامي رفض القرار ما لم يبدِ معذرة مشروعة، فقد يستشعر المحامي الحرج أو يكون قد سبق توكيل المحامي في قضايا ضد المتهم ومن حق المحامي المنتدب ان يتصل بالمتهم والتحدث اليه بحرية وعلى انفراد وتمكين المتهم من الاتصال بالمحامي المنتدب، ولقد نص المشرع العراقي في قانون أصول المحاكمات الجزائية رقم 23 لسنة 1971 المعدل في المادة 144 منه على ان تحدد المحكمة أتعاب المحامي عند الفصل في الدعوى وتتحملها خزينة الدولة، ومن خلال الواقع العملي في المحاكم بخصوص انتداب المحامي في مرحلة التحقيق فإنّ مسألة صرف أجور المحاماة تدفع له بعد اكتساب القرار الدرجة القطعية، كما ان محكمة الموضوع وفي اغلب الأحيان تقوم بانتداب محام آخر للمتهم غير المحامي الذي كان قد انتدب خلال مرحلة التحقيق الابتدائي، وان مهنة المحاماة بشكل عام هي مهنة ذات رسالة نبيلة فهي مهنة المروءة وهي الطريق المعبّد إلى عدل القضاء، ولهذا من حق أهل هذه المهنة السامية على الدولة ان تصون كرامتهم وتمكنهم من أداء واجباتهم على أكمل وجه وتوفر لهم العيش الكريم فتنظيم أجور الانتداب ورفعها إلى الحد الذي يشجع المحامي ويدفعه إلى بذل أقصى الجهود في سبيل الأداء الأمثل ضمانة لحقوق الانسان الذي يبقى هو القيمة العليا والهدف الاسمى ونجد من الضروري تعديل قانون أصول المحاكمات الجزائية رقم 23 لسنة 1971 المعدل وان يكون حضور المحامي عند إجراء التحقيق الابتدائي في مراكز الشرطة فهي مرحلة خطرة من مراحل التحقيق، وان يكون معيار انتداب المحامي المنتدب الجدارة، وإدارج نصوص في قانون المحاماة يتم فيه التأكيد على ان على المحامي المنتدب واجبات كما هي واجبات المحامي الأصيل، وإفهامهم بان هناك واجبا أعلى وأسمى يقع على عاتقهم وهو ولاؤهم المطلق للعدل وإيمانهم بالعدالة بصفتهم الداعمين الاساسيين لها، ويتعاظم دورهم في تحقيق العدالة ونصرة المظلومين، وان لا يكون انتداب المحامي إجراءً شكليا بمجرد التوقيع على إفادة المتهم، وان يكون إقرار مبالغ مناسبة كأتعاب للمحامي المنتدب حسب نوعية الجريمة والجهد الذي يبذله المحامي المنتدب ومدى خبرته، فضلا عن مراعاة التغيرات الاقتصادية ومراعاة أهمية الدعوى الجزائية وخطورة موقف المتهم عند انتداب المحامي الذي يدافع عنه، كما ان مهمة المحامي المنتدب يجب ان تستمر باستمرار خضوع موكله للقضاء فبعد اكتمال التحقيق يجب الحضور معه اثناء المحاكمة وتقديم دفعوه ولا ينتهي الأمر عند هذا الحد بل عليه الطعن بقرار المحكمة الصادر بإدانة المتهم وتضمين لائحته الحجج والبراهين التي من شانها قد اثرت في القرار الصادر بالإدانة والمخالفات القانونية التي بني عليها القرار، ان المحامي عندما يقدم المشورة القانونية للمتهم إنما ينير له الطريق فعلى المحامي المنتدب ان يوظف خبرته وثقافته وعلمه القانوني من اجل ألا يترك للمتهم فرصة في القانون تفوته، وان يبقى على صلة مع التحقيقات الأولية والتحقيق إمام السلطة القضائية لكشف الأدلة وتفسير الوقائع وتقديم الطلبات وتسمية الشهود وكل ما يراه من خبرات فنية ومطابقات يرى أنها يمكن ان تكشف عن الدوافع والحقيقة، كما ان قانون المحاماة العراقي رقم (173 ) لسنة 1965 المعدل قد بيّن الشروط الواجب توفرها لتقديم المعونة القضائية وهي اذا كان احد طرفي الدعوى عاجزا عن دفع أتعاب المحاماة، واذا لم يجد شخصا يدافع عنه من المحامين، واذا طلبت إحدى المحاكم تعيين محام عن متهم أو حدث لم يختر محاميا للدفاع عنه، وفي حالة رفض المحامي تقديم المعونة التي كلّف بها أو أهمل القيام بها بدون عذر مشروع يمكن أن يعاقب تأديبيا.