الشروط القانونيَّة لحق التظاهر السلمي

العراق 2019/07/01
...

القاضي ناصر عمران الموسوي

يختصر الفقيه (مونتسيكيو) الترابط العضوي بين الحق والحرية، اذ يحدد  مديات الممارسة وامكانيات تحققها  فيقول:  إنّ الحرية لا تقوم على أن يضع المرء ما يريد بشكل مطلق وإنما ترتكز في مجتمع تسوده القوانين على شقين؛ أولهما، أن يضع المرء ما يريد، وثانيهما، ألّا يكره المرء على صنع ما لا يريد، فالحرية لدى (مونتسكيو) مقيدة برابطة الممارسة للحق والحقّ هو ميزةٌ أو سلطةٌ للشخص يعترف بها القانون،

 والحرية بمعناها العام هي التحرر من القيود التي تكبل طاقات الإنسان وإنتاجه سواء كانت قيودا مادية أو قيودا معنوية، وممارسة الحق احدى مظاهر الحرية وعليه لا بدّ من تحديد الأسس التي يقوم عليها الحق، لقد شكل التظاهر حالة ايجابية في عراق ما بعد التغيير اراد فيه المواطن ان يترجم من خلاله ايمانه بالنظام الديمقراطي وهو يمارس حقه الطبيعي بالتعبير عن ارادته ورغباته التي يراها منسجمة مع ما تؤكده التشريعات والقوانين، وهو خروج عن الاطار النمطي في المطالبة بالحقوق المصطدمة في احيان كثيرة بداء الروتين الاداري والبيروقراطية المقيتة الى فضاءات الراي العام الضاغط والمؤسس لمنهجية جديدة لرقابة المواطن الشعبية، ونرى بان القصور التشريعي في تنظيم التظاهر وعدم وجود قوانين منظمة له ادى الى ظهور الكثير من السلبيات التي اخرجت التظاهر من الإباحة والشرعية الى التجريم في حالات عديدة لعل اهمها التجاوز على المال العام، ان الحق في التظاهر والاحتجاج هو حق من حقوق الإنسان التي رعتها التشريعات والقوانين الدولية، فالاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان في العام 1950 تضمنت هذا الحق ولا سيما المواد من 9 إلى 11 منها. والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية في العام 1966 كذلك، وخاصة المواد من 18 إلى 22 والتي تنص المادة 9 منه على «الحق في حرية التفكر والشعور والاعتقاد» وتنص المادة 10 على «الحق في حرية التعبير». كما تنص المادة 11 على «الحق في حرية تشكيل الجمعيات مع الآخرين، بما في ذلك الحق في تشكيل النقابات والانضمام إليها من أجل حماية مصالح الأشخاص». ومع ذلك تخضع حقوق حرية التجمع وحقوق حرية انشاء الجمعيات وحرية التعبير في هذه الاتفاقات المذكورة وغيرها لبعض القيود منها ما تضمنه العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية أحكامًا بشأن (الدعاية للحرب) والدعوة إلى (الكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية). ويسمح العهد بتقييد حرية التجمع إذا لزم الأمر وتنص المادتان 20 و 21 على ما يلي: «يتم تقييد حرية التجمع في مجتمع ديمقراطي بما يتناسب مع مصلحة الأمن القومي أو السلامة العامة أو النظام العام أو حماية الصحة العامة أو الآداب العامة أو حماية حقوق وحريات الآخرين».. ومن المهم أن تعترف المؤسسات الحكومية بهذا الحق أثناء وجود نقاط توتر منتشرة داخل المجتمع. إن قدرة الدولة الديمقراطية على الحفاظ على حق مواطنيها في الاحتجاج هي نتيجة ازدهار سياسة هذه الديمقراطية  لذلك اولت الدول اهمية لحق التظاهر، وقد اتجهت في تعريف التظاهر إلى اتجاهين؛ فمنهم من لم يعرّف التظاهر في متن القانون الخاص الذي ينظم التظاهرات، ومنهم من بادر إلى وضع تعريف للتظاهر، فعرّفها على أنها ((تجمع أو سير عدد من الأشخاص بطريقة سلمية في مكان أو طريق عام أو بالقرب منها؛ بقصد التعبير عن الرأي أو الاجتماع أو المطالبة بتنفيذ مطالب معينة)، ويلاحظ على هذا التعريف أنّه قد ركز في أول الأمر على حالة التظاهرة، فشمل التظاهرة بجميع اشكالها وحالاتها من الثبات والسكون والحركة وذلك بقوله (تجمع أو سير)، وكذلك أكد على اقتران التظاهر بالسلمية مع ابراز الجانب المكاني فنصّ (في مكان أو طريق عام أو بالقرب منها)، مع انتماء هذا الحق الى التعبير عن الرأي أو الاجتماع أو المطالبة بأمرٍ معين. أما في العراق فلم تعرّف سلطة الائتلاف المؤقتة في الامر رقم (19) لسنة 2003 م التظاهرة على الرغم من أن هناك تشريعات سابقة قد عرّفت التظاهرة، وقد نص الدستور في المادة (38): تكفل الدولة، بما لا يخل بالنظام العام والآداب: أولاً:- حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل. ثانياً:- حرية الصحافة والطباعة والإعلان والإعلام والنشر. ثالثاً:- حرية الاجتماع والتظاهر السلمي وتنظم بقانون. أما مشروع قانون حرية التعبير عن الرأي والاجتماع والتظاهر السلمي المنظور امام مجلس النواب فإِنّه عرف التظاهر السلمي  في المادة (1)  فقرة خامسا، وفي باب التعاريف والاهداف بأنّه: (تجمع عدد غير محدود من المواطنين للتعبير عن آراءهم أو المطالبة بحقوقهم التي كفلها القانون التي تنظم وتسير في الطرق (الساحات العامة) ومن  الملاحظ على تعريف المشروع أنّه قد حدد وبشكل غير دقيق عدد الأشخاص الذين يحق لهم ممارسة هذا الحق، وذلك بقوله (عدد غير محدود) والمحدود يفهم انه قليل والقليل هنا يعطي معنى غير واضح وغير ثابت يتيح للسلطة العامة التدخل وإلغاء التظاهرة بحجة محدودية العدد، وقد ورد حق التظاهر السلمي في الفصل الرابع من مشروع القانون وفي المادة (10) منه اولا: للمواطنين التظاهر سلميا للتعبير عن اراءهم والمطالبة بحقوقهم التي كفلها لهم القانون وفق الشروط المحددة في المادة (7) من هذا القانون  ثانيا: لا يجوز تنظيم التظاهرات قبل الساعة السابعة صباحا او بعد الساعة العاشرة ليلا، وبمطالعة المادة (7) من مشروع القانون فإنّها تضمنت شروطا لممارسة الحق بالتظاهر وهي: اذن مسبق من رئيس الوحدة الادارية قبل خمسة ايام على الاقل، على ان يتضمن طلب الاذن زمان ومكان التظاهر وموضوعه واسماء اعضاء اللجنة المنظمة، وتضمنت الشروط تشكيل لجنة للنظر في طلب التظاهر، وعند رفض الطلب يحق للجهة المنظمة الطعن بقرار الرفض امام محكمة البداءة للبت فيه، ان الحق في حرية التظاهر السلمي من الحقوق الدستورية و المكفولة، وحتى لو لم يرد ذكره في الوثيقة الدستورية فانه يبقى من الحقوق الأصيلة، فالدستور يقر الحقوق ولا يكشفها، وان للقضاء الدستوري دورا كبيرا في حماية هذا الحق من خلال إيقاف تنفيذ القانون المنظم للتظاهر إذا كان هذا القانون مخالفا للدستور، والامر برمته خاضع للرؤية المنظمة والمشرعة لمشروع القانون مع رقابة دستورية ضامنة لاحترام الحقوق والحريات.