بغداد ودبي.. مدن التاريخ تُعيد صياغة المستقبل

آراء 2025/01/23
...

 أشرف كريم 


في زحمة الأحداث وتسارع الزمن، يقف العراق اليوم على أعتاب نهضة عمرانية تعيد إلى الأذهان أمجاد الحضارات التي قامت على أرضه. فمع دخول عام 2024، أعلنت وزارة الإعمار والإسكان عن إنجاز 90 % من مشاريع حزمة فك الاختناقات المرورية الأولى،  مما يعكس جدية الحكومة في تحسين البنية التحتية وتسهيل حركة المواطنين.

وفي خطوة ستراتيجية، وقّع العراق مذكرة تفاهم رباعية مع تركيا وقطر والإمارات للتعاون في مشروع "طريق التنمية" الستراتيجي، الذي يهدف إلى إنشاء ممر تجاري يربط ميناء الفاو الكبير بالحدود التركية، مما سيوفر قناة لنقل البضائع بين الأسواق الآسيوية والأوروبية، هذا المشروع الذي يمتد على مسافة 1200 كيلومتر، سيعزز مكانة العراق كمحور لوجستي مهم في المنطقة.

التوسع العمودي في البناء أصبح سمة بارزة في المشهد العمراني العراقي، إذ شهدت المدن الكبرى، وخاصة بغداد، إضافة مبانٍ بنسبة 10 %، وفقًا لعمليات الحصر والترقيم التي سبقت التعداد السكاني، وهذا التوسع لا يقتصر على الكم فحسب، بل يمتد إلى النوعية والتصاميم الحديثة التي تضاهي مثيلاتها في المدن المتقدمة.

عند التجول في شوارع بغداد اليوم، يلفت الانتباه التطور العمراني الذي يذّكر بدبي وجمالها. الأبراج الشاهقة والمجمعات التجارية الحديثة، تعكس رؤية طموحة تسعى لجعل العاصمة العراقية مركزًا حضريًا متقدمًا. هذا التشابه في التطور ليس محض صدفة، بل هو نتيجة لسياسات تنموية تهدف إلى الاستفادة من التجارب الناجحة في المنطقة.

وفي سياق النهضة العمرانية التي يشهدها العراق، يبرز مشهد مثير للاهتمام يربط بين بغداد ودبي، ليس فقط في الطموحات العمرانية، بل في الرؤية التي تقف وراء هذا التطور. بغداد التي كانت يوماً مركز الحضارة الإسلامية وعاصمة الفكر والعلم، تُعيد اليوم ترتيب أوراقها، مستلهمةً من التجارب الناجحة في المنطقة، وعلى رأسها تجربة دبي.

دبي، التي تحولت من مدينة صغيرة تطل على الخليج إلى واحدة من أكثر المدن إبهاراً في العالم، تُعد نموذجاً يُحتذى به في التخطيط الستراتيجي والابتكار العمراني، هذا النموذج يبدو أنه أصبح مرجعاً ضمنياً للعراق، وخاصة في بغداد، التي تشهد تحولات جذرية في بنيتها التحتية، فالأبراج الحديثة التي باتت تزين سماء العاصمة، والمجمعات التجارية الضخمة، وحتى مشاريع الطرق والجسور، كلها تشير إلى محاولات للاستفادة من التجربة الإماراتية.

عند التجول في شوارع بغداد، يمكن للزائر أن يشعر بروح دبي في تفاصيل التصميم الحضري؛ خطوط البناء، المساحات المفتوحة، والاعتماد على أحدث التقنيات في التخطيط، جميعها تعكس رؤية عصرية تعزز الهوية العراقية، مع لمسة من الحداثة المستوحاة من دبي، هذا الربط المجازي ليس فقط في التصميم، بل في الرؤية؛ إذ إن كلا المدينتين تتشاركان في إيمان عميق بأن التقدم العمراني هو بوابة لتحقيق مكانة اقتصادية وثقافية على الساحة العالمية.

لكن ما يجعل هذه المقاربة مميزة هو الطريقة التي تجمع فيها بغداد بين طابعها التاريخي وروحها العصرية، في حين أن دبي تمثل قفزة جريئة نحو المستقبل. تسعى بغداد إلى صياغة نموذج فريد يجمع بين الأصالة والابتكار، إنها ليست مجرد محاولة للنسخ، بل هي إعادة صياغة للتاريخ برؤية معاصرة تُبرز قوة العراق الثقافية وتاريخه العريق.

بغداد، التي كانت يومًا ما حاضرة الدنيا، بدأت تسير بخطى واثقة نحو استعادة مكانتها، مستفيدة من تجارب الإمارات في التطور العمراني والاقتصادي.

إن حركة الإعمار في العراق ليست مجرد مشاريع بنى تحتية، بل هي رسالة أمل وإصرار على تجاوز التحديات وبناء وطن يليق بتاريخه العريق، ومع استمرار هذه الجهود، يبقى الأمل معقوداً على تحقيق نهضة شاملة تعيد للعراق بريقه ومكانته بين الأمم.

بغداد ودبي، مدينتان تحملان أحلام شعوبهما، الأولى تستعيد بريقها، والثانية تواصل إبهار العالم، وبينهما قصة تُكتب بحروف من طموح وأمل.