محمد حسن الساعدي
دائماً ما يكون الفاعل السياسي له دور كبير في إدارة الملفات في العالم، خصوصاً العلاقة بين الدول التي تبتعد بمسافات كبيرة، أو التي تتفق في اللغة والتاريخ، فكيفما عندما يكون الحدث هو جارك، لذلك لعب العراق دوراً مهماً في مجريات الاحداث بعد سقوط نظام بشار الاسد، فلقد أعاد تقييم سياسته تجاه سوريا في اعقاب انهيار النظام، وذلك من خلال تحقيق التوازن بين المخاوف الأمنية والمصالح الاقتصادية والانقسامات الطائفية، إذ دائماً ما يؤكد القادة السياسيون في العراق على ضرورات تحكم العلاقة بين العراق وسوريا، وتأكد ذلك من خلال الزيارة التي قام بها السيد رئيس جهاز المخابرات العراقي الى سوريا ولقائه "الجولاني" والتي وضعت أسس العلاقة بين الجارين، ومنها ضرورة حماية الاماكن المقدسة في سوريا ومكافحة التطرف وعدم التهاون في إطلاق سراح المعتقلين من تنظيم داعش ومن مختلف الجنسيات.
العراق بدأ بالتكيف تدريجياً مع طبيعة المتغيرات في سوريا، وبدأ بالانخراط مع الحكومة الانتقالية في دمشق، وهذا يأتي من القراءة المتوازنة للحكومة العراقية بين الاحتياجات الامنية والاقتصادية، إضافة إلى واقع المنطقة الذي تعرض لاهتزازات كبيرة، وفي ظل الظروف المتغيرة بدأ العراق في تبني نهج دبلوماسي استباقي، من خلال سعي حكومة السيد السوداني الى الانخراط مع العواصم العربية والاقليمية، لتنسيق الاستجابة للتطورات السريعة، بالمقابل إعلان الشرع أن الادارة السورية مستعدة لإقامة علاقات تعاون استراتيجية مع العراق.
البرغماتية التي يتمتع بها الشرع الى جانب الحماية المستمرة ودفع الخطر المستمر للمراقد المقدسة في سوريا خفف المخاوف لدى العراق، وهذا ما أعلن عنه الأخير انه يراقب ما تقوم به الإدارة السورية الجديدة والذي سيكون الموقف العراقي رداً له، لذلك وسيبقى موقف العراق تجاه سوريا قيد التشكيل وسيعتمد على التطورات المستقبلية وتصورات العراق للتهديدات، التي ربما قد تواجه أمنه، خصوصاً مع وجود حالة عدم الاستقرار والافتقار إلى الشفافية، والذي يهدد بعرقلة تطلع سوريا إلى مستقبل ديمقراطي وشامل، وينبغي أن يكون فترة من الأمل والتقدم إلى فترة من الفرص الضائعة.
الأزمة الاجتماعية والاقتصادية في سوريا، تمثل التهديد الأكبر والتي من المحتمل أن تتعمق أكثر فـ 70 بالمئة من سكان البلاد يعيشون الفقر وأن حوالي 12.9 مليون سوري يعانون من انعدام الامن الغذائي، خصوصاً ان الحكم في سوريا معاقب دولياً، ما قد يشجع المزيد من التنافس والصراعات بين الجماعات المسلحة السورية في البلاد وعلى المناطق الاقتصادية المهمة، وعلى السوق السوداء في سوريا ومنها تجارة المخدرات، ما يعني أن هناك خطراً حقيقياً يهدد الاستقرار للدول المجاورة لسوريا.
الحل السياسي في سوريا يتطلب من الدول الغربية أن تعمل على تخفيف العقوبات المفروضة على سوريا، بما فيها المؤسسات المالية، كالبنك المركزي السوري والقطاعات الاقتصادية الأخرى بأكملها، لان تفكك سوريا هو أسوأ شيء للعالم والمنطقة، وإذا ما غرقت سوريا في الفوضى، فلن تكون مجرد كارثة إنسانية، بل ستعني إنهاء دور الشعوب في اختيار مصيرها.