القشلة.. رمز العراقة وملتقى إبداعها المتجدد

فلكلور 2025/01/27
...

 بغداد : نوارة محمد 

 تصوير: أحمد جبارة

في قلب بغداد، المدينة التي تعد واحدة من أعرق العواصم العربية والإسلامية، تقف ساحة القشلة وشارع المتنبي شاهدين على تاريخ غني وحضارة عريقة. هذه الأماكن ليست مجرد معالم جغرافية، بل هي إرث ثقافي يحمل في طياته قصصاً عن عصور مضت وحاضر يزدهر بالإبداع.

ساحة القشلة، بطرازها المعماري الفريد، وشارع المتنبي، الذي يعد منارة للعلم والأدب، يجسدان روح بغداد الثقافية والفكرية.

هنا، حيث تتلاقى المخطوطات القديمة مع إبداعات الأدباء المعاصرين، وتتناغم أصوات الباعة مع حفيف صفحات الكتب، لتكتب فصولا جديدة من تاريخ 

المدينة.

في الحديث عن تاريخ هذه المدينة يبين الاكاديمي والباحث خالد حنتوش ان "في سنة 1861 تأسست القشلة في عهد الوالي نامق باشا الكبير لتكون مقرا للولاية ودوائرها الرسمية، وثكنة عسكرية للجيش العثماني المسؤول عن حماية وتوفير أمن بغداد، ثم بعد ذلك أتم بناءها الوالي مدحت باشا، وهو ما عُده العراقيون حدثاً تاريخياً في بغداد، فهذه المدينة حظيت بهذا الحجم من الأهمية، وما زادها أهمية هو ساعة القشلة التي تشبه كثيرا ساعة "بيغ بن" اللندنية، فحين أرادوا لها أن تضاهي تلك الساعة الأشهر في العالم بنوا لها الأبراج واختاروا لها موقعاً مميزاً وسط مدينة بغداد وقرب أهم الأماكن الثقافية السراي والمدرسة المستنصرية."

 الناقد والمؤرخ الدكتور فائز الخفاجي قال لـ(الصباح): "تعد بناية القشلة واحدة من الرموز البغدادية التراثية، التي يعود تاريخ بنائها إلى النصف الثاني من القرن الـ19 للميلاد، وتكتسب اهميتها من موقعها الذي يطل على نهر دجلة وسط المدينة وهو ما يجعلها فرصة مهمة للاستثمار، ولما تحمله هذه الساحة من إمكانات سياحية وترفيهية وثقافية صنُفت كواحدة من أهم النُصب الجدارية.

وأكد الخفاجي أن ارتباط الساحة بالمشهد الثقافي وما يدور في المنطقة حولها، أنعش المنطقة بأكملها.

ومعها بدت واحدة من أهم المناطق الاثرية اجتماعيا، وثقافيا، واقتصادياً.

اما عباس لطيف (روائي وناقد)، أشار في حديثه لـ(الصباح) :"تمارس ظاهرة الأمكنة أو المعالم الاثارية والتراثية دورا مهما في التحضر واستقطاب الزبائن والمتخصصين وعشاق العراقة والأصالة والبحث عن التاريخ والمنجز الانساني والحضاري والكشف عن الهوية الثقافية، وهي عدا وذاك تعد جزءاً من ثروات البلد بصيغتها التاريخية". 

وبيَّن أن ساحة القشلة تجسد عمق وقوة الإبداع والتثاقف لدى الشعوب، وقدرتها على التفاعل والتأثر والتأثير، منوها بأن هذه الأماكن ليست مجرد نقاط على الخريطة، بل هي شواهد حية على التلاقح بين الحضارات، ودلالة على شمولية المنجز الإنساني.

وفي سياق متصل، أشار احمد طارق (مهندس معماري) الى انه" في السنوات الأخيرة وبعد أن افتتح "التاكسي" النهري في نهر دجلة الذي يطل عليه شارع المتنبي، حظي شارع المتنبي باهتمام الناس من جميع الطبقات الاجتماعية والفئات العمرية، وبدأت هذه المنطقة تجذب السياح من داخل العراق وخارجه، ومما ساعد على انتعاش المنطقة أكثر من السابق هو وجود "البسطات" والمحال التجارية والمكاتب التي تفتح أبوابها حتى ساعات متأخرة من الليل، على عكس ما سبق، حين كانت هذه المنطقة تقتصر على جذب النخبة من المثقفين ورواد هذا المعلم الثقافي."

وأكد طارق أيضا ان "الأمر لم يقف عند هذا الحد فرواج صُناع المحتوى والمدونين المهتمين في الأمكنة التاريخية والثقافية بدوا مهتمين بشكل كبير بالمنطقة وما حولها، وهو ما استأثر باهتمام الجيل الجديد الذي يِعده متنفسا آخر وجديدا، لاسيما في السنوات الأخيرة من انتعاش الحداثة والتطور الهائل الذي نعيشه مع الحياة الرقمية".