هل انتهى دور الدول في النظام؟

آراء 2025/01/28
...

 د. أثير ناظم الجاسور

 

إن فكرة الاعتماد المتبادل بين الدول تُعيد في كل مرحلة بناء مجموعة من التصورات حول قيم وسلوك العمل داخل هذا النظام ضمن معايير اقتصادية وبيئية وتكنولوجية، وكلها تتمحور حول بناء منظومة اقتصادية واحدة تحت سلطة مدرسة وقواعد واحدة تعمل على تنظيم العمل المؤسسي الاقتصادي العالمي ايضا لما يتناسب أو ما يتموضع ضمن أفكار وطروحات ومتبنيات ليبرالية رأسمالية معولمة، وهذا ما يؤكده يورغ سورنسن في قراءته لإعادة النظر في النظام الدولي الجديد من حيث طرح رؤية تظهر ما يميز العولمة "هي ما تعمل عليه من تكثيف العلاقات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية عبر الحدود"، وهذا الفهم المتنامي لا يمكن أن يُنجز  عمله طالما تبقى الدول محافظة على كيانها المادي والمعنوي فضلاً عن فرض سيطرتها على تفاصيل قد تكون مُعرقلة لفكرة النظام العالمي الواحد المتكامل، لم تكتفِ مراكز التفكير الغربية في وضع التصورات والمُتقرحات الخاصة بإقامة مشروعها العالمي التي بشرت به منذ نهاية الحرب الباردة تحديداً، على اعتبار ان ذوبان العالم في نظام اقتصادي واحد ونظام سياسي مهادن لتلك السياسات يُمهد لإقامة هذا المشروع العالمي، الذي باشر الغرب في تطبيقه من خلال إعادة رسم خرائط المنطقة والتحالفات والتعديل على جانب كبير من المتبنيات في ما يخص الصراع بين الشرق والغرب والصراع الحضاري الذي بشر به هنتنغتون، والذي تمحور في ما بعد حول الحضارة الإسلامية وفكرة الإسلام السياسي .

هل انتهى دور الدولة في هذا النظام المعولم المليء بالمشاريع الغربية الرأسمالية؟، وهل بات على الدول الخضوع لفكرة نهاية السيادة لخلق عالم مُسالم خالٍ من الصراعات؟، الاجابة هنا تتضمن اتجاهين: 

 الاتجاه الاول: هو الفكرة الغربية بقيادة أمريكا التي تعمل جاهدة على خلق منظومة سياسية واقتصادية وثقافية عالمية تتناسب والفكرة الداعية لحكومة عالمية، تقع مسؤولية الادارة على أمريكا وحلفائها الغربيين ضمن مسارات ربط المناطق والدول بمنظومة واحدة متكاملة تعمل على تبني أسس وقواعد العولمة الساعية على ادماج الدول وانخراطها في مختلف مجالات الرأسمالية، التي ترسم فكرة وحدة المصير التي اكدها يورغ سورنسن وكيشور محبوباني، الذي تبنى أفكاره سورنسن بعد أن دعا إلى أن البشرية لا بد من أن تعيش في عالم واحد ضمن أربعة اعمدة هي العمود الاقتصادي والعمود التكنولوجي والعمود البيئي والعمود التطلعي.

الاتجاه الثاني: يتبناه الخصوم الأساسيون او الرافضون لهيمنة معسكر سياسي واقتصادي احادي الجانب، هذا الاتجاه يتبنى فكرة المشارك، بالرغم من تبنيه ذات الصيغ الاقتصادية إلا أن منظومته السياسية لا تزال تدور ضمن مساحة التفوق الحضاري بالنسبة للصين وروسيا وهذا ما اكده ألكسندر دوغين في نظريته الرابعة، التي حددت مفهوم التفوق الحضاري الأرضي، وبين عدم امتلاك الغرب لهذا العمق على اعتبار الغرب يمتلكون ظاهرة حضارية لا تنافس ولا تتناسب والحضارة الأرضية التي يؤكد عليها، هذا الاتجاه يسعى لخلق حالة مختلفة فيما يخص مفهوم إدارة النظام ضمن سؤال على من تقع مسؤولية إدارة النظام إذا ما سلمنا إن تبنيات الاتجاه الاول ممكنة؟، هذا ما يجعل انصار هذا الاتجاه يسعون إلى السير نحو تعددية متخصصة ضمن اقطاب فاعلة تُحرك النظام، بالرغم من أن هذا الاتجاه نصفه سياسية غير متحرك مؤمن بقواعد وسلوكيات كلاسيكية غي قابلة للتغير على الاقل في الوقت الحالي، ونظام اقتصادي مُتحرر يتجدد مع عولمة وحوكمة المؤسسات.

بالمحصلة أن وجود الدول بكامل سيادتها والحفاظ على هويتها الوطنية السياسية والاقتصادية والاجتماعية ضرورة من ضرورات استقرار النظام، ومن غير الممكن أن نؤكد على أن دور الدولة قد انتهى والدليل ما حدث ويحدث في مناطق عانت الدول فيها خلل في مختلف الجوانب، في تسعينيات القرن العشرين وبسبب الاضطرابات الحاصلة في دول البلقان عانت كامل اوروبا من خلل امني هدد كيانها وأشعر انظمتها ومجتمعاتها بالخطر وباتت دول البلقان منتجة لعدم الاستقرار، افغانستان وسوريا ايضا بعد عانت الدولة من عدم الاستقرار باتت منتجة لعدم الاستقرار مما ساهم في انت تكون ارضاً خصبة للصراعات والحروب والدمار، بالتالي أثرت في الأعمال السياسية والاقتصادية وحتى الاجتماعية وباتت اراضٍ خطرة لا تساعد على دمجها في المجتمعات لابل أصبحت منتجة للخطر، بالمحصلة ان استقرار الدول وفرض قوانينها الوطنية ومركزيتها في التعامل مع أي نشاط دولي هو أساس الاستقرار والتفاهم مبني على أساس فكرة التعاطي مع القضايا بمفهومها الايجابي لا على ردود الفعل، والعمل على صناعة دول هشة يعمل على صناعة نماذج تبطئ من فرض صيغ الامن والاستقرار، وهذا ما يحاول فرضه الغرب اليوم في سبيل تحقيق فكرة الهيمنة من أجل الاستقرار لفرض هيمنته العالمية في مختلف الجوانب.