د. هاني عاشور
كانت الصورة التي التقطها الرئيس الامريكي دونالد ترامب في حفل تنصيبه مع سبعة من أكبر مليارديرات امريكا، والذين يبلغ مجموع ثرواتهم 900 مليار دولار، هي الصورة الأكثر إثارة في الأوساط الأمريكية، التي تشير إلى أن ترامب انحاز للثروة أكثر من السياسة والحروب في إشارة إلى اهتماماته المالية والاقتصادية في مرحلة توليه الإدارة الأمريكية الجديدة.
ويبدو أن هذا الاهتمام جعل الكثير من الأمريكيين ينظرون إلى هذه السياسة المالية الجديدة بنظر الشك واحتمال أن تكون جزءًا من كسب التعاطف الشعبي من أن تحقق مستقبلا جديدا للأمريكيين، وربما تكون هذه الاسلوبية السياسية الجديدة سرابا يبتعد عن الحقيقة.
كانت الصدمة الحقيقية تتلخص بتصريحات ايلون ماسك الملياردير المقرب من ترامب وأحد مخططي نهجه المالي، عندما استبعد حقيقة تنفيذ مخطط ترامب في تخصيص مبلغ 500 مليار دولار لبناء بنية تحتية للذكاء الاصطناعي، فبعد يومين من تولي ترامب إدارة البيت الابيض أعلن هذا الرقم الكبير لبناء تكنولوجيا حديثة، ليرد ماسك وبعد فترة قصيرة من إعلان ترامب عن المشروع، فكتب على منصة X للتواصل الاجتماعي، يقول: إنهم لا يملكون المال حقا لذلك..
ونقلت شبكة سي أن أن.. أن تعليقات إيلون ماسك هي بمثابة هدم ملحوظ لمشروع كبير للبيت الأبيض من قبل شخص من الدائرة الداخلية لترامب.
ويعد ماسك أكبر داعم مالي لترامب حتى الآن منذ حملته الانتخابية في العام 2024، ويرأس حالياً لجنة لتحسين كفاءة الحكومة في البيت الأبيض.
ولم تكن مليارات ترامب مثارا للجدل في هذه القضية فقط، فقد وعد بجلب ما يقرب من 500 مليار دولار من السعودية لشراء بضائع امريكية، ما أثار جدلا دفع ببعض المتابعين الامريكيين إلى نشر مقطع فديوي، يتحدث عن سؤال لصحفية امريكية لوزير الخارجية الاسبق بومبيو في عهد ترامب السابق، حين سألته الصحفية عن وعود ترامب في دورته الاولى بجلب اكثر من 110 مليارات دولار من السعودية لشراء اسلحة ومعدات امريكية، لكن أمريكا لم تحصل سوى على أقل من عشرين مليار دولار من السعودية آنذاك حتى نهاية ولاية ترامب الاولى، وكانت اغلب الوعود غير حقيقية.
وتشير مصادر أمريكية بشكل شبه يومي إلى أن وعود الرئيس ترامب بإدخال تعريفات جمركية شاملة على السلع من شأنها أن ترفع تكلفة الواردات، وبقدر ما يتعلق الأمر بالعديد من المحللين، فإن خطط ترامب من المرجح أن ترفع الأسعار بدلاً من السيطرة عليها.
من جهة اخرى يعتقد كثير من المحللين الأمريكيين ان الصراع مع الصين لن يكون لصالح ترامب مع ادراك الصين خطورة الوضع الاقتصادي العالمي ووضعها الخطط اللازمة لعدم التراجع، ففي العام الماضي بلغ إجمالي الصادرات الصينية إلى الولايات المتحدة اكثر من 400 مليار دولار، في حين بلغت وارداتها من الولايات المتحدة 130 مليار دولار، ومن المتوقع أن تشهد رئاسة ترامب الثانية تركيزًا أكبر على الصين ومحاصرتها اقتصاديًا، والعمل على احتوائها عسكريًا من خلال توسيع نطاق التحالفات التي تقف على رأسها أستراليا، الهند، اليابان، ويرى المحللون ان سياسة احتواء الصين ستكون مكلفة لأمريكا وتتطلب مئات المليارات لدعم استراليا والهند واليابان، مما لا يحقق توازنا ملحوظا يدفع لتحسين الاقتصاد الامريكي وتحقيق مطالب الشعب التي وعد بها ترامب.
ومع خطط ترامب لرفع الضرائب على البضائع المستوردة من الصين مثلا، وسعيه إلى خفض الضرائب في داخل امريكا، لم يتضح بعد إلى أي مدى ستجتاز خطة ترامب لخفض الضرائب المراحل التشريعية في الكونغرس والتي ربما لا تتم الموافقة على اغلبها، وفي الوقت نفسه، فإن سياساته الوقائية وموقفه الصارم تجاه الصين من شأنه أن يرفع التكاليف ويقلل الربحية، ويضر بالشركات المتعددة الجنسيات، وهو الامر الذي لا يمنح كامل الثقة بوعود ترامب وتحسين الوضع الاقتصادي الأمريكي.