أمستردام : آمنة عبد النبي
يُقال بأن أكلة «الرنجة» الشعبية ليست مجرد وجبة بحريّة خفيفة لذيذة ولكنها أيضًا ثيمة تاريخية متجذرة بعمق في الثقافة الهولندية المعروفة بتراثها التعددي، ومناظرها الطبيعية الخلابة، ومشهدها الفني المؤثر بحكم غناها وغزارتها بالبحيرات المدهشة، لذلك شكل صيد سمك الرنجة جزءًا مهمًا من اقتصاد المملكة منذ العصور الوسطى، وقد أتقن الهولنديون فن حفظ سمك الرنجة الذي أصبح المفضل في قلب المطبخ داخل محلول ملحي، ما يحافظ على قوامه الناعم ونكهته الخفيفة، وهي بذلك تشبه نوعاً ما أكلة المسموطة العراقية والتي تمثل جزءًا من تراث السومريين وترتبط ذاكرتها أيضاً بحضارة بلاد الرافدين القديمة.
يقول الكاتب الصحافي المقيم في أمستردام راجي سلطان، لشدة ولع الهولنديين بها يتم الاحتفال السنوي بها كل عام خلال مهرجان الرنجة، فالطعام الهولندي لذيذ ومريح ويقدم نكهات فريدة ترتبط ارتباطًا وثيقًا بتاريخ الأمة وتقاليدها، والغريب ثقافياً أن الرنجة هي الأكلة المرادفة والقريبة للفسيخ بالمصري والمسموطة بالسياق البصري العراقي، فهي تبدو بهيئتها النيئة، ويتم تناولها طازجة عادةً مع البصل المفروم وأحيانًا مع شرائح الخيار المخلل، لذلك تعتبر تحديًا صعبًا للمبتدئين، ولكنها طعام هولندي شهي يحبه سكان أمستردام وباقي المدن.
أما الكوافيرة بشرى الطائي وهي مقيمة في روتردام، فعدت الصيف بصحبة سمك الرنجة في المملكة يصبح مُذهلاً، حيث يعم الصخب في الأمكنة والمساحات الخضراء المفتوحة تفتح أحضانها، لأن أبسط نزهة هنا بين البحيرات والصيد هي فرصة لا تعوض، وباعتبارها مكاناً مثالياً لقضاء عطلة أسرية بعيداً عن الازدحام، وخصوصاً ممارسة هواية صيد الأسماك في البحيرات، وكذلك قضاء بعض الوقت بالتشمّس أو الاستمتاع برحلة على متن قارب أو القيام بنزهة لطيفة ثم تناول الغداء.
أما الصحافيّ المغترب صادق الشمري والمقيم في مدينة لاهاي، فقد عبر عن رأيه قائلاً: «كان الهولنديون يأكلون سمك الرنجة الخام بشغف منذ مئات السنين حيث تُقدم هذه الأطعمة المحلية الشهية مع البصل والمخللات وهي وجبة خفيفة تقليدية توجد في الغالب في الأكشاك وأكشاك الشوارع في أمستردام وباقي المدن، والمشهور عن الرنجة أن أفضل أوقات تناولها ما بين مايو ويوليو وذلك لكون أفضل أنواع الأسماك الكنافة قد نضج جيدًا، بحسب الحسابات منذ موسم صيده».