ساحات التجزئة والطريق الحلقي بداية لنهاية الفوضى

ريبورتاج 2025/01/30
...

 بغداد : دانية حيدر

في شوارع مدننا الكبرى، أصبحت شاحنات النقل الثقيلة مشهداً مألوفاً، حيث تتجول في الطرق الداخلية والمكتظة محملة بأطنان من البضائع، متحدية بذلك قواعد السلامة المرورية. وراء هذا المشهد اليومي، تكمن قضية خطيرة تهدد أرواح المواطنين وتستنزف موارد الدولة. فالأضرار التي تتسبب بها هذه الشاحنات لا تقتصر على الازدحام المروري فحسب، بل تمتد إلى حوادث الدهس المميتة التي تحصد أرواح الأبرياء، وإلى التدمير التدريجي للطرق والجسور التي لم تُصمم لتحمل أوزانها الهائلة.

هذه المشاهد تعيد إلى الأذهان حادثة الدهس المروعة التي وقعت في إحدى ضواحي البصرة، وهي واحدة من أبرز الحوادث التي كشفت عن المخاطر الكارثية لشاحنات النقل الثقيلة في المناطق الحضرية. ففي ذلك اليوم المشؤوم، فقد سائق شاحنة تبريد السيطرة على مركبته بسبب عطل مفاجئ في المكابح، لتنطلق الشاحنة بسرعة جنونية نحو مجموعة من تلاميذ مدرسة ابتدائية كانوا في طريق العودة إلى منازلهم. وكانت النتيجة مأساوية، إذ تعرض 15 تلميذاً للدهس، ستة منهم فقدوا حياتهم على الفور، بينما أصيب الباقون بإصابات بالغة ترك بعضها آثاراً دائمة.

ويعاني العديد من المواطنين من سير مركبات الحمل في الطرق الداخلية. ويروي وسام الجبوري أحد المواقف التي تعرض لها بسبب شاحنات الحمل، قائلاً: "في أحد الأيام، استغرقت ما يقرب من عشر دقائق، متوقفاً في أحد الشوارع بسبب خطأ من أحد سائقي الشاحنات لدى محاولته الركون لتفريغ الحمولة". وأضاف: "أغلب الشاحنات لا تلتزم بالقواعد المفروضة عليها، حيث إن الوجهة التي كنت أصل إليها في نصف ساعة، أصبحت الآن تستغرق مني ساعة كاملة بسبب مثل هذه الممارسات". 

من جانبها، تنقل أسيل جبار (سائقة سيارة)، معاناتها في هذا السياق، وتقول: "أعاني كثيراً في القيادة بسبب عدم انتظام حركة سير الشاحنات. ففي أحد الأيام، ظهرت شاحنة تقتحم الطريق بشكل متهور، حيث بدأ السائق بتجاوز السيارات وكأنه يقود دراجة، دون ترك مجال للآخرين".

وتضيف لـ"الصباح" أن "هناك مشكلة أخرى تتمثل في بعض الشاحنات التي تحمل بضائع بكميات كبيرة دون رقابة، ما يسبب تطاير المواد على الطريق ويعيق حركة السائقين".

موضوع الاختناقات المرورية أخذ حيزاً كبيراً من اهتمام الحكومة، التي بدأت باتخاذ حزمة إجراءات لمعالجة هذه الظاهرة، في مقدمتها إقامة مشاريع للطرق والجسور وفك الاختناقات المرورية.

كما شملت المشاريع إنشاء الطريق الحلقي في محيط مدينة بغداد، إضافة إلى المشروع الأهم المتمثل بإنشاء ساحات للتجزئة، والتي بلغ بعضها مراحل متقدمة.

وفي هذا الصدد، أكد مدير إعلام وزارة النقل ميثم الصافي، قرب افتتاح أكبر ساحة للتجزئة في مفترق محافظات (الأنبار وبغداد وبابل)، بعد أن بلغت نسبة إنجازها 90 %، مضيفاً لـ"الصباح" أن الساحة الواقعة في منطقة اليوسفية بمحاذاة الطريق السريع تبلغ مساحتها 400 دونم، وتستوعب 3000 شاحنة يومياً.

وأوضح الصافي نسب إنجاز ساحات التبادل الأخرى، حيث بلغ إنجاز المرحلة الأولى في محور (صلاح الدين - بغداد) مقابل معسكر التاجي 40% على مساحة 384 دونمًا، مع قدرة استيعابية تصل إلى 200 شاحنة يوميًا. كما أشار إلى مدخل (كوت - بغداد) الذي يقع في منطقة الوحدة، بمساحة 210 دونمات ويستوعب 1500 شاحنة يوميًا. أما مدخل (ديالى - بغداد)، فقد أوضح الصافي أن العمل جارٍ لاستكمال إجراءات نقل ملكية الأراضي إلى الشركة العامة للنقل البري، حيث تشغل مساحة 150 دونماً وتستقبل نحو 2000 شاحنة يوميًا.

وفي ما يتعلق بالتنسيق بين الوزارة والجهات الأخرى، أكد الصافي أن التنسيق مستمر بمتابعة إنجاز العمل من خلال الزيارات الميدانية لممثلي الشركة والمهندس المقيم، لضمان استكمال تنفيذ المشروع بأسرع وقت، من أجل منع دخول الشاحنات كبيرة الحمولة عبر مداخل بغداد للحفاظ على البنية التحتية والبيئة، فضلاً عن تقليل الزخم المروري والحد من الاختناقات، خصوصًا مع وجود مشروع النقل الجماعي.

إضافة إلى مشروع ساحات التجزئة والتبادل التجاري، تواصل وزارة الإعمار والإسكان أعمال تنفيذ مشروع الطريق الحلقي لتقليل الاختناقات المرورية في داخل مدينة بغداد. وأوضح المتحدث باسم الوزارة المهندس نبيل الصفار في حديثه لـ"الصباح" أن أهمية مشروع الطريق الحلقي تكمن في توفير مسار للمركبات التي تنتقل من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب دون المرور داخل بغداد، حيث يتم تنظيم السير على شكل حلقة دائرية تربط جميع المداخل الرئيسة للعاصمة.

وأكد أن المشروع يسهم في تقليل الاختناقات المرورية ويُعد جزءًا مكملًا لمشاريع فك الزحام في بغداد. يُضاف إلى ذلك، أن الطريق الحلقي سيسهم في تنظيم حركة المرور بشكل أكثر كفاءة ويُساعد في تحسين تدفق المركبات.

وأشار الصفار إلى أن العمل ما زال جارياً في الطريق الحلقي الرابع، حيث يتم تنفيذ العمل في مقطعين من الطريق بواسطة شركتين تابعتين للوزارة، هما شركة آشور وشركة حمورابي. من جهة أخرى، وبخصوص أوزان المركبات المسموح بها على الطريق، أكد المهندس نبيل أن هناك رسومات توضيحية في كل محطة، تبيّن للسائقين الحمولات المسموح بها. كما أوضح أن الأوزان تختلف حسب المحاور، حيث يتم تحديد الوزن الأقصى لكل مركبة بناءً على عدد المحاور، سواء كانت عجلات ذات محور واحد، أو محورين، أو ثلاثة، قابلة للتوجيه أو غير قابلة، ما يعكس أهمية تنظيم الحركة على هذا الطريق الحيوي ويقلل الضغط على البنى التحتية للطرق والجسور لتفادي تعرضها إلى الضرر.

وأفصح مدير المرور العام، اللواء عدي سمير، في حديثه لـ"الصباح" عن دور المديرية الرقابي في تنظيم دخول العجلات وتنظيم حركة السير.

وأوضح أن المسؤولية الأساسية في عملية التنظيم المروري تقع على عاتق مديرية المرور، كونها الجهة المسؤولة قانوناً عن إدارة حركة المرور، مؤكداً أن هذا التنظيم سيسهم بشكل مباشر في تقليل الازدحامات الناتجة عن دخول عجلات الحمل الكبيرة. وأشار إلى أنه يتم حالياً تحديد أوقات محددة لدخول هذه العجلات إلى العاصمة، بحيث لا تتسبب في حدوث ازدحامات مرورية، ما يعكس جهود المديرية في تحسين انسيابية حركة السير في بغداد.

كما أكد اللواء عدي أن المشاريع التي هي قيد التنفيذ ستسهم في تقليل الأضرار التي تُسببها سيارات الحمل داخل المدينة، وما تسببه الأحمال الثقيلة على الشوارع، ما سيعزز من الحفاظ على البنية التحتية للطرق ويسهم في تحسين جودة البيئة بشكل عام.

وبإكمال هذه المشاريع، سيتم البدء في اتباع قوانين جديدة تهدف إلى تنظيم تنقل المركبات ذات الأحمال الكبيرة على الطرقات، بما يضمن الحفاظ على البنية التحتية وتخفيف الازدحام المروري. هذه القوانين ستتضمن تحديد الأوزان المسموح بها بناءً على عدد المحاور، مع تطبيق رسوم معينة للمركبات ذات الأحمال الثقيلة، إضافة إلى اتباع المسارات المخصصة لتلك المركبات من أجل ضمان سيرها بشكل منظم وآمن، وبالتالي حماية الطرق وتعزيز انسيابية حركة المرور داخل بغداد.