بغداد : قاسم موزان
تصوير: نهاد العزاوي
يعاني العديد من الأحياء السكنية في بغداد من أزمة حقيقية بسبب الكثافة السكانية العالية والبناء العشوائي، الذي فرض نفسه بشكل قسري على السكان. هذه الظاهرة أدت إلى تزايد أعمال البناء في الأزقة الضيقة، التي لا تتحمل الكميات الكبيرة من المواد الإنشائية المبعثرة. وتتفاقم الأزمة مع استقدام الآليات الثقيلة والرافعات لتنفيذ أعمال الصب الكونكريتي في الطوابق العليا، ما يعيق حركة المرور والمارة في تلك المناطق.
هذا الوضع لا يقتصر على الإزعاج اليومي فحسب، بل يتسبب أيضاً في أضرار جسيمة للشوارع والبنى التحتية. تسرب خليط الاسمنت والرمل إلى شبكات الصرف الصحي يؤدي إلى انسدادات متكررة وطفح المجاري، ما يتطلب صيانة دائمة ويفرض أعباء إضافية على عمال أمانة بغداد.
كما أن الأمر لا يقتصر على المشكلات المادية فقط، بل يتسبب أيضاً في إزعاج مستمر للجيران، الذين يجدون أنفسهم عاجزين عن التصرف في ظل غياب إجراءات جدية لحل المشكلة. ورغم وجود عقوبات مالية على مثل هذه المخالفات، تبقى هذه العقوبات شكلية ولا تمثل رادعاً حقيقياً أمام قيمة البناء المرتفعة.
فقد عبّر المواطن كرار علي عن استيائه الشديد من الفوضى التي تشهدها العاصمة بسبب عمليات البناء العشوائية. وقال: "تُترك المواد الإنشائية في الشوارع والأزقة وتُكدس بطريقة تؤدي إلى تكدس الفوضى. السبب الرئيس لهذه الفوضى هو غياب الرقابة الصارمة وعدم محاسبة المقصرين". وأضاف: "لقد عانيت كثيرًا، أنا والآخرون، من فوضى البناء وما يترتب عليها من تكدس الأنقاض وتركها في الشوارع لفترات طويلة، حتى بعد انتهاء العمل، ما يؤدي إلى تدهور الوضع بشكل كبير."
من جانبه، اقترح المواطن سلمان كريم حلاً لتقليص هذه الظاهرة، حيث شدد على ضرورة أن يكون صاحب العمل هو المسؤول الأول عن تنظيف الشوارع والأزقة بعد كل مرحلة من مراحل البناء. وقال: "يجب على المقاول أو صاحب المشروع أن يلتزم بإزالة المخلفات البنائية فور الانتهاء من كل مرحلة بناء، لضمان عدم تراكم الأنقاض في الشوارع."
في وقت سابق، أعلنت أمانة بغداد عن آلية لفرض غرامات على المتسببين في الأضرار التي تلحق بالشوارع والأرصفة. وتم تحديد قيمة الغرامات وفقاً للضرر المترتب، حيث ينص قانون أمانة بغداد رقم 13 على فرض غرامات تبدأ من 25 ألف دينار وقد تصل إلى 5 ملايين دينار، وفقاً لحجم الضرر.
المهندس عباس عبود، المتخصص بمنظومات التصريف الصحي، صرح لـ "الصباح" بأن خلط مادتي السمنت والرمل يتسرب إلى شبكات الصرف الصحي، ما يتسبب بانسدادات مستمرة وطفح المجاري. وأوضح أن هذه المشكلة تتطلب صيانة دائمة، ما يفرض أعباء إضافية على عمال أمانة بغداد. كما أشار إلى أن إغراق الأزقة بالمياه بشكل يفوق الحاجة يفاقم المشكلة، داعياً إلى التقيد بالتعليمات المعمول بها، بما في ذلك ضوابط منح إجازات البناء التي تمنع طرح المواد الإنشائية بشكل عشوائي.
بدوره، أشار معاون رئيس المهندسين علاء سيف جواد كاظم إلى أن عملية بناء البيوت في المناطق السكنية غالباً ما يصاحبها ضرر في الشوارع المحاذية للمنازل، نتيجة لتكدس المواد الإنشائية في هذه الشوارع، ما يؤدي إلى إغلاقها جزئياً أو كلياً. وأضاف أن الحلول لهذه المشكلة تتطلب اتخاذ خطوات عدة، منها جلب الطابوق أو الوحدات البنائية على شكل سكيبات، ونقلها إلى داخل البيت المراد بناؤه، وعدم تركها في الشارع.
كما شدد كاظم على ضرورة تغطية منافذ تصريف المياه بالمشبكات لمنع تسرب المواد داخلها، مع ضرورة غلقها وتنظيفها بشكل مستمر. وأكد أن إعادة الشارع إلى وضعه السابق بعد الانتهاء من الحفر يعد خطوة ضرورية لضمان عدم تضرر البنية التحتية.