شتاءٌ شحيح الأمطار ينذر بصيفٍ جاف

ريبورتاج 2025/02/04
...

 بغداد: نور نجاح عبد الله


في ظل التغيرات المناخية التي تجتاح العالم، يواجه العراق أزمة مائية متصاعدة تهدد استقراره الاقتصادي والاجتماعي والسياسي. تصريحات الخبراء والمسؤولين تكشف عن تداعيات خطيرة مع التوقعات باستمرار شح الأمطار في موسم الشتاء واستمرار خفض حصته المائية، مما ينعكس سلباً على حياة الملايين من المزارعين الذين يعتمدون على الأمطار لري محاصيلهم، وسكان المدن الذين يعانون من نقص مياه الشرب وارتفاع درجات الحرارة.

في هذا السياق، كشف مؤخراً وزير الموارد المائية، عون ذياب عبد الله، في تصريح لـ"الصباح"، عن ارتفاع الخزين المائي للعراق إلى 11.5 مليار متر مكعب، وهو أعلى من العام الماضي. وأشار إلى أن كميات المياه في بحيرات السدود الرئيسة، مثل سدود حديثة وحمرين ودوكان ودربندخان، إضافة إلى بحيرتي الحبانية والثرثار، تتجاوز 40 مليار متر مكعب. ومع ذلك، حذر الوزير من أن معدلات هطول الأمطار لهذا الشتاء يتوقع أن تكون أقل من العام الماضي، ما يضع البلاد أمام تحديات كبيرة. وأكد أن الاتفاقيات المائية مع سوريا ما زالت نافذة، حيث تصل واردات نهر الفرات من سوريا إلى 450 مترًا مكعبًا في الثانية، مقارنة بـ 290 مترًا مكعبًا في السابق.

إلا أن هذه المؤشرات الإيجابية لا تخفي حجم التحديات القادمة، فوفقاً لرمضان حمزة، خبير الاستراتيجيات والسياسات المائية وتغير المناخ، فإن الجفاف الحالي له تأثيرات كبيرة في إمدادات المياه والبيئة. وحذر من أن العراق قد يواجه نقصاً حاداً في المياه إذا لم يتم اتخاذ إجراءات عاجلة، مثل التحول من الري التقليدي إلى الري الحديث، وتقليل الهدر من شبكات المياه، وتوسيع مشاريع حصاد المياه. وأضاف حمزة أن تراجع منسوب نهري دجلة والفرات نتيجة لتغير المناخ وسوء الإدارة يزيد من تفاقم الأزمة، داعياً إلى تطبيق استراتيجيات متكاملة لإدارة المياه، بما في ذلك تحسين نوعية المياه وحماية البنية التحتية.

هذه الأزمة المائية ليست بعيدة عن تأثيراتها الاقتصادية الوخيمة. فقد أوضح باسم جميل انطوان، الخبير الاقتصادي، أن نقص المياه يهدد القطاع الزراعي، الذي يعد العمود الفقري للاقتصاد العراقي. وأشار إلى أن شح المياه قد يؤدي إلى هجرة المزيد من المزارعين من الريف إلى المدينة، ما يزيد من معدلات البطالة ويؤثر سلباً في الاقتصاد. وأضاف أن نقص المياه يجبر العراق على استيراد المواد الغذائية، ما يستنزف العملة الصعبة ويزيد من العجز في الميزانية. ودعا إلى تطوير القطاع الزراعي من خلال استخدام تقنيات الري الحديثة، مثل الري بالتنقيط، وبناء خزانات كبيرة لتجميع المياه.

من الناحية السياسية، حذر صباح زنكنه، الباحث في الشأن السياسي من أن العراق بحاجة إلى تعزيز التعاون الإقليمي مع دول الجوار، مثل تركيا وإيران، من خلال عقد اتفاقيات طويلة الأمد لتقاسم المياه وإدارة السدود.

وفي ما يتعلق بالجانب القانوني، أشار الخبير القانوني، أمير الدعمي، إلى أن الاتفاقيات الدولية الملزمة بموجب ميثاق الأمم المتحدة هي الحل لضمان حصة العراق المائية. ودعا إلى اللجوء إلى الأمم المتحدة لفرض تطبيق هذه الاتفاقيات، خاصة في ظل تقليل دول المنبع (تركيا وإيران) لحصص العراق المائية.

من جانبها، أكدت الدكتورة نادية الجدوع، الخبيرة الاستراتيجية الدولية، أن الحركة الدبلوماسية العراقية ما زالت قاصرة عن تحقيق نتائج إيجابية بسبب تعنت دول الجوار. وأشارت إلى أن العراق بحاجة إلى تطوير مبادراته الدبلوماسية لحماية حقوقه المائية. وأضافت الجدوع أن دول الجوار، وخاصة تركيا وإيران، تستخدم المياه كأداة للضغط السياسي على العراق، ما يزيد من تفاقم الأزمة. ودعت إلى ضرورة تعزيز الجهود الدبلوماسية للضغط على هذه الدول من خلال المنظمات الدولية، مثل الأمم المتحدة، لضمان حصة عادلة من المياه للعراق.

للتغلب على هذه الأزمة، يقترح الخبراء حلولاً عدة ، منها تحسين إدارة المياه من خلال استخدام تقنيات حديثة، مثل الري بالتنقيط، وتجميع مياه الأمطار، وحماية البنية التحتية. كما يجب تعزيز التعاون الإقليمي عبر عقد اتفاقيات طويلة الأمد مع دول الجوار لتقاسم المياه وإدارة السدود. إضافة إلى ذلك، يحتاج العراق إلى تطوير القطاع الزراعي بتشجيع الاستثمار في الزراعة وتوفير البيئة المناسبة للمزار