بغداد : نور نجاح عبد الله
يرى مراقبون أنه من المبكر الحكم على مستقبل الأوضاع في سوريا، في ظل الضبابية التي تحيط بالواقع في هذا البلد المجاور، ما يعني عدم القدرة على رسم ملامح علاقات حقيقة بين البلدين.
وفي هذا الصدد، أشار المحلل السياسي الدكتور مسعد الراجحي إلى أن الوضع السياسي في سوريا يظل غامضاً وصعب التنبؤ به، بسبب التداخل المعقد بين المصالح الإقليمية والدولية، مما يجعل من غير الممكن التوصل إلى اتفاقات شاملة أو مبادرات ذات تأثير طويل المدى، إلا في نطاقات محدودة مثل الأمن والاقتصاد.
كما لفت الراجحي إلى التصريحات الأخيرة للإدارة السورية الجديدة بشأن التهيئة لدستور جديد، مؤكداً أن هذه العملية قد تستغرق أكثر من أربع سنوات، مما يثير تساؤلات حول تجميد الحياة السياسية والحزبية في البلاد.
وفي سياق العلاقات العراقية-السورية، أوضح الراجحي أن هذه العلاقات تتسم بالحذر..
من جانبه، يرى الباحث في الشأن السياسي مهند الراوي أن العلاقات السورية العراقية ما زالت شبه منقطعة، مع تبادل دبلوماسي محدود بين البلدين، إذ لم يتم رفع العلاقات بشكل كامل إلى مستوى تبادل السفارات أو التبادل التجاري والدبلوماسي والسياسي.
وأشار الراوي إلى أن الحكومة تتعامل مع الملف السوري بحذر، رغم وجود بعض المؤتمرات والمقابلات بين البلدين، ومع ذلك، مازالت صورة العلاقة غير واضحة.
ولفت الراوي إلى أن المواقف السياسية المتبادلة بين البلدين تقتصر على التصريحات الإعلامية، من دون أن تتحول إلى مواقف فعلية أو تفاهمات قد تفضي إلى علاقات ثنائية. من جهة أخرى، أضاف الراوي أن الحكومة التركية تبدو جادة في تطبيع العلاقات بين العراق وسوريا، مشيراً إلى أن هناك مؤشرات على رغبة سوريا في تعزيز العلاقات مع العراق.
أما الخبير الاستراتيجي الدكتور هاني عاشور فقال لـ"الصباح": " إن سوريا لا يمكن وصفها بأنها دولة مستقرة في الوقت الحالي، رغم سعيها المستمر نحو الاستقرار بعد مرحلة طويلة من الصراعات والعقوبات الدولية".
وأوضح عاشور أن "الاتحاد الأوروبي قد خفف جزئياً من العقوبات المفروضة على سوريا، إلا أن هناك اعتقاداً بأن هذه العقوبات قد تُرفع بالكامل فقط إذا أثبتت الإدارة السورية قدرتها على إرساء التفاهم والاستقرار مع محيطها الدولي والإقليمي".
وفي ما يتعلق بالعلاقات العراقية - السورية، أشار عاشور إلى أن العقوبات الدولية ما زالت تؤثر في الوضع الاقتصادي في سوريا، وأن التبادل التجاري بين البلدين لا يزال محدوداً كما كان الحال قبل سقوط نظام بشار الأسد.
وأضاف أن العراق يسعى بشكل عام لدفع جهود الاستقرار في سوريا، وهو نفس الموقف الذي تتبعه العديد من الدول. كذلك، قال الباحث في الشأن السياسي أحمد الهركي: إن "سوريا تمثل امتداداً أمنياً وجغرافياً للعراق، مما يعزز إمكانية استئناف التبادل التجاري بين البلدين، وهو ما يفتح آفاقاً لتقوية العلاقات التجارية وضمان الترابط الاجتماعي والاقتصادي بينهما".
وأضاف لـ"الصباح" أن "العراق يشرف على الخليج، بينما تطل سوريا على البحر المتوسط، مما يجعلهما معاً طريقاً حيوية للتجارة الدولية".
وأشار الهركي إلى إمكانية أن يفتح العراق أسواقه أمام المنتجات السورية، ويُسهم في دعم الشركات السورية الناشئة، فضلاً عن تعزيز حركة البضائع بين البلدين.
كما أوضح أنه من الممكن إطلاق مشاريع استثمارية في قطاعات الصناعة والطاقة وتطوير شبكات النقل، إضافة إلى تفعيل ممرات تجارية جديدة.
وخلص إلى أن العراق، من خلال سياسة متوازنة وحكيمة، يمكنه ضمان مصالحه الوطنية وتعزيز دوره الإقليمي، مؤكداً أن الموقف العراقي كان صائباً في التعامل مع التغيير في سوريا، إذ اعتبره شأناً داخلياً، وكانت رسائل العراق واضحة في هذا الخصوص.