مدبرات المنازل بين الحاجة والوجاهة الاجتماعيَّة

ريبورتاج 2025/02/05
...

   بغداد: سرور العلي


برزت ظاهرة استقدام مدبرات المنازل من دول آسيوية وأفريقية كواحدة من القضايا التي تشغل المجتمع. فبينما ترى بعض الأسر في هذه الخطوة حلاً ضرورياً لتخفيف أعباء الحياة اليومية في ظل الانشغالات المتزايدة والتحديات الاقتصادية، تحولت الظاهرة لدى أسر أخرى إلى وسيلة للتفاخر الاجتماعي، حيث أصبح امتلاك مدبرة أجنبية رمزاً للوجاهة والتميز. هذا التناقض بين الحاجة العملية والرغبة في التباهي يفتح الباب أمام تساؤلات عديدة حول تأثير هذه الظاهرة في الروابط الأسرية والقيم الاجتماعية.

في أحد أحياء بغداد الراقية، تروي نور بهاء قصتها مع مدبرة المنزل قائلة: "لا يمكنني الاستغناء عنها، فهي تشعرني بمتعة كبيرة، خاصة أثناء مرافقتها لي في جولات التسوق في المولات والمتاجر، أو عندما تخفف عني أعباء المنزل".

على الجانب الآخر، ترفض نغم اياد، موظفة حكومية، فكرة استقدام مدبرة إلى منزلها. رغم انشغالها بوظيفتها، إلا أنها تصر على إدارة شؤون أسرتها وأطفالها بنفسها، مؤكدة أن هذه المسؤولية جزء لا يتجزأ من دورها كأم وربة منزل.

أما سلوى أحمد، التي تعمل في أحد مراكز التجميل، فترى أن وجود المدبرة أصبح ضرورة لا غنى عنها بسبب عملها اليومي خارج المنزل. تقول: "اضطررت لاستقدام إحدى المدبرات الآسيويات لرعاية أطفالي والقيام بمتطلبات المنزل من طهو وتنظيف". وتضيف: "في البداية، واجهتنا بعض الصعوبات بسبب اختلاف اللغة، ولكن مع الوقت تأقلمت وتعلمت العربية، وأصبح تعاملها لطيفاً معنا، خاصة انني أوفر لها كل ما تحتاجه".

من جهة أخرى، ترفض مريم حسام، طالبة جامعية، فكرة استقدام مدبرة لرعاية والدتها المقعدة. فتقول: "نقوم برعاية والدتي بالتناوب، أنا وشقيقاتي، ولن نفكر أبداً في استقدام مدبرة".


إحصائيات رسميَّة

تشير إحصائيات وزارة العمل والشؤون الاجتماعية إلى أن عدد المدبرات المنزليات المسجلات في عموم البلاد يصل إلى نحو 11,600 مدبرة، وفقاً للمتحدث باسم الوزارة نجم العقابي. وأضاف في تصريح لـ"الصباح" أن عدد الشركات المرخصة لاستقدام المدبرات ارتفع ليصل إلى 125 شركة بعد أن كان 25 شركة فقط.

وأوضح العقابي أن دور الوزارة يقتصر على منح إجازات العمل للمدبرات المنزليات، دون التدخل في الشؤون الداخلية للمنازل التي يعملن فيها. وأكد أن الوزارة لا تملك صلاحية دخول المنازل لمراقبة أوضاع المدبرات، بل تركز على متابعة المكاتب المرخصة التي تقوم باستقدامهن، للتأكد من التزامها بالأنظمة والقوانين المعمول بها.


تكاليف وأجور العاملات

يقول أحد العاملين في شركة خاصة باستقدام الأيدي العاملة في بغداد: "تعد المدبرات الأجنبيات الخيار الأكثر شيوعاً للأسر العراقية. ويرجع ذلك إلى رفض العديد من العراقيات العمل في هذه المهنة بسبب الوصمة الاجتماعية المرتبطة بها، إضافة إلى أن المدبرات الأجنبيات غالباً ما يكن أقل كلفة وأكثر حرصاً على العمل، وفقاً لملاحظات العديد من الأسر".

وأضاف أن أسعار وتفاصيل خدمات المدبرات تختلف بين المكاتب المتخصصة في هذا المجال. فبعض المكاتب تقدم خدمة تنظيف يومي لمدة 7 ساعات بتكلفة تبدأ من 45 ألف دينار مع توصيل مجاني، بينما تصل التكلفة في مكاتب أخرى إلى 60 ألف دينار للمدة نفسها. أما العقود السنوية، فتبدأ تكلفتها من 4000 دولار، مع وجود خصومات وعروض خاصة للعقود طويلة الأجل.

أما كلفة استقدام المدبرة الواحدة، فيقول أنها تبلغ نحو 3500 دولار أو أكثر، إضافة إلى راتب شهري يتراوح من 200 إلى 300 دولار، حسب الجنسية ومستوى الخبرة. وأشار إلى أن المدبرات اللاتي يتمتعن بخبرة تزيد على سنتين في المجال، أو اللاتي يتحدثن اللغة الإنكليزية، يحصلن على رواتب أعلى تصل إلى 3500 دولار لعقد تكون مدته سنتين أو ثلاث سنوات. أما المدبرات الأخريات، فيحصلن على رواتب أقل نسبياً، تبدأ من 250 دولاراً شهرياً.


الأبعاد الاجتماعية

تشير الأستاذة في علم الاجتماع، الدكتورة لاهاي عبد الحسين، إلى أن "هناك العديد من البلدان التي سبقتنا في هذا الشأن، ومنها دول الخليج العربي ولبنان والأردن".

وأضافت في حديثها لـ"الصباح": "ترتبط الظاهرة بعمل النساء والتزاماتهن خارج المنزل، فهناك الكثير من الموظفات بحاجة إلى من يخفف أعباءهن، فضلاً عن وجود عدد متزايد من الأشخاص المسنين الذين يحتاجون لرعاية يومية بالتفاصيل الدقيقة".

وأكدت الدكتورة عبد الحسين أن "إلقاء العبء المنزلي والأسري على المرأة فقط يبقى سبباً إضافياً، ويمكن توقع أن تقل الحاجة لمدبرات المنازل، وبخاصة المقيمات في البيت، إذا ما تعاون الزوجان على التناوب في تأمين متطلبات الأسرة، ومنها التسوق ورعاية الأولاد والنظافة".

وتابعت: "أما إذا فكرنا بالظاهرة على صعيد عالمي، فيبدو من الواضح أن التفاوت في مستويات المعيشة هو الذي يدفع نساء العالم الفقير لخدمة نساء العالم الأكثر يسراً".

المؤشرات الاقتصادية

يرى الخبير الاقتصادي ضياء المحسن أن انتشار ظاهرة استقدام مدبرات المنازل يعود إلى أسباب متعددة، بعضها مرتبط بالتحسن النسبي في المستوى المادي لبعض الأسر، ما يدفع رب الأسرة إلى تخفيف الأعباء اليومية عن أفرادها من خلال الاستعانة بمدبرة تقوم بشؤون المنزل وتربية الأطفال. وأضاف المحسن في حديثه لـ"الصباح" أن انشغال بعض النساء بوظائفهن الحكومية أو الأهلية يجعلهن بحاجة إلى من يساعدهن في رعاية الأسرة، خاصة في ظل عدم قدرة الأفراد الآخرين داخل الأسرة على تقديم هذه الخدمات. وأشار المحسن أيضاً إلى أن بعض الأسر تلجأ إلى استقدام مدبرات لتوفير الرعاية الطبية لأحد أفرادها، خاصة عندما لا يتمكن أفراد الأسرة من تقديم هذه الرعاية بأنفسهم. كما لفت إلى أن بعض الأسر تستقدم المدبرات كوسيلة لتعليم أبنائها على "الحياة المرفهة"، كنوع من التفاخر الاجتماعي والتباهي بالمستوى الاقتصادي.


الأمن المجتمعي

تلعب الشرطة المجتمعية دوراً كبيراً في متابعة القضايا المتعلقة بانتشار مدبرات المنازل. وقال العميد علي عجمي رسول، مدير الشرطة المجتمعية، في حديثه لـ"الصباح": "حدثت بعض حالات الخلاف بين أصحاب العمل والعاملات، وقامت الشرطة المجتمعية بحلها، واتخاذ الإجراءات القانونية عن طريق الجهات المعنية، وأيضاً بالتعاون مع الأجهزة الأمنية، لرفع جميع المعلومات الخاصة بهن".

وشدد رسول على ضرورة التأكد من التعامل مع مكاتب الاستقدام المعتمدة، والامتناع عن تشغيل العاملات الهاربات أو المخالفات لنظام العمل، كذلك الإبلاغ عن التجاوزات للجهات المختصة، عبر القنوات المتاحة مثل أرقام الطوارئ والتطبيقات، أو من خلال الخط الساخن (911)، الذي استحدث مؤخراً. وأكد أن كل ذلك يسهم بتعزيز الأمن المجتمعي، وضمان الالتزام بجميع الأنظمة والقوانين.