حفلات التخرج.. ضياع العلم في زحمة المظاهر

ريبورتاج 2025/02/06
...

 بغداد : مريم العزي


تعد حفلات التخرج من أبرز المحطات في حياة الطلبة، لحظات تعكس تتويجاً لسنوات من العطاء العلمي والجهد المضني، ويترقبها الخريجون وأسرهم بفارغ الصبر، إذ تمثل بداية جديدة تفتح أبواب المستقبل الواعد. هذه الحفلات تجسد رمزاً للإنجاز الأكاديمي والاعتزاز بالعلم، ومناسبة يحتفل فيها الجميع بالانتقال من مرحلة الدراسة إلى مرحلة المشاركة الفاعلة في بناء المجتمع ونهضة الوطن.


لكن في السنوات الأخيرة، بدأت بعض حفلات التخرج تأخذ منحى مغايرا تماما، حيث تحولت في بعض الأحيان إلى مسارح لعرض الأزياء، واختلطت فيها المفاهيم، حتى أضحت ساحة لإظهار المظاهر والاحتفالات المفرطة. ولم تقتصر هذه التحولات على المظاهر فقط، بل شملت أيضا بعض السلوكيات التي قد لا تتوافق مع القيم التي من المفترض أن يتحلى بها الطلبة.

تقول زهراء كاظم، إحدى الطالبات المُقبلات على التخرج من كلية الآداب في الجامعة العراقية: إن حفلات التخرج تمثل رمزًا للنجاح والتعبير عن الفرح بانتهاء المسيرة الدراسية، لتبدأ بعدها مسيرة جديدة وهي مسيرة العمل. وتؤكد أن الاحتفال يجب أن يكون لائقًا بطلبة يُعتبرون صُناع المستقبل.

وتضيف كاظم لـ"الصباح" أن أغلب حفلات التخرج التي تُقام داخل الحرم الجامعي عادة ما تكون تحت رعاية إدارة الجامعة، ويُحتفل بها في جو من التنظيم الذي لا يظهر فيه خلل، مشيرة إلى أن التصرفات غير اللائقة قد تظهر في الحفلات التي تُنظم خارج الحرم الجامعي.

من جهة أخرى، يعبّر الطالب قيس أنور، في المرحلة الرابعة من كلية الإعلام، عن قلقه بشأن تحول حفلات التخرج إلى ساحة لاستعراض الرفاهية ومظاهر الرقص والضوضاء، بعيدًا عن كونها مناسبة أكاديمية. ويؤكد أن من حق الطلاب الاحتفال بإنجازاتهم، لكن يجب أن تكون هناك قوانين صارمة لضمان أن تظل هذه الاحتفالات ضمن الإطار الأكاديمي واللائق، دون أن تتحول إلى ممارسات قد تشوه صورة التعليم والجامعة.

أما الدكتور محمد علي، الأكاديمي في جامعة بغداد، فيرى أن حفلات التخرج في الآونة الأخيرة، أصبحت تميل إلى المبالغة، متناقضة مع جوهر المناسبة التي ينبغي أن تعكس الفخر بإنجاز أكاديمي بعيدًا عن المظاهر. 

ويؤكد ضرورة العودة إلى المعنى الحقيقي لحفل التخرج، مع التأكيد على أهمية الالتزام باللياقة والاحتشام في هذه المناسبات. وعلى الرغم من أن وجود الغناء والرقص ليس بالضرورة أمرًا سلبيًا، إلا أن ذلك يجب أن يبقى ضمن حدود الذوق العام وعدم تجاوزها.

وفي إطار تنظيم هذه الاحتفالات، أوضح عميد كلية الإعلام بجامعة بغداد، الأستاذ الدكتور عمار طاهر لـ"الصباح" أن الجامعة تتبع إجراءات صارمة في حفلات التخرج، حيث يتم التنسيق مع الوزارة ورئاسة الجامعة، وتشمل منع تشغيل الأغاني واستخدام أجهزة "دي جي" والرقص، مع السماح بترديد قسم التخرج وتكريم الطلبة الأوائل. وأكد طاهر أن إدارة الجامعة ليست مسؤولة عن الحفلات التي تُنظم خارج الحرم الجامعي، لكنها دائمًا ما تقدم النصائح للطلاب لضمان أن سلوكهم ومظهرهم يعكسان سمعة الجامعة والتعليم العالي.

من جانبه، يرى الباحث في الشأن الاجتماعي، الدكتور عبد الواحد مشعل، أن حفلات التخرج لم تعد تلتزم بالتقاليد الأكاديمية المعروفة، حيث لم نعد نشهد حفلات رسمية تتضمن كلمات للخريجين أو المسؤولين الجامعيين، ما أفقدها طابعها الرسمي والاعتباري. ويضيف مشعل أن استمرار هذه الظواهر قد يؤثر سلبًا في المجتمع، خاصة مع ابتعادها عن المعايير الأكاديمية وممارسات الكليات، مؤكداً على ضرورة أن تكون الاحتفالات أكثر تنظيمًا، لتعكس المسيرة العلمية التي قطعها الطالب خلال سنوات دراسته، بدلًا من أن تقتصر على مظاهر الغناء والرقص.