القضاء يلزم المحاكم بتنفيذ قانون العفو.. والاتحادية تؤكد أن قراراتها باتّة وملزمة

الثانية والثالثة 2025/02/06
...

خبير قانوني لـ {         الصباح       }: القوانين يجب أن تنشر إذا ما كان تاريخ نفاذها محدداً




 بغداد: مهند عبد الوهاب

    وهدى العزاوي



في وقت أكد فيه مجلس القضاء الأعلى، أمس الأربعاء، عدم جواز إيقاف تنفيذ القانون الذي يتم تشريعه من قبل مجلس النواب العراقي قبل نشره في الجريدة الرسمية، ملزماً المحاكم بالمضي في تنفيذ تعديل قانون العفو العام وفق نصوصه، أصدرت المحكمة الاتحادية العليا توضيحاً أشارت فيه  إلى أن قراراتها باتَّة وملزمة لكافة السلطات بما فيها "الأوامر الولائية" . وسط هذه الصورة، أعلن رئيس مجلس النواب محمود المشهداني احترام والتزام الجميع بالقرارات الصادرة عن المحكمة الاتحادية العليا، داعياً القوى السياسية للاجتماع في إطار ائتلاف إدارة الدولة.

بيانا الاتحادية والقضاء الأعلى

وأكدت المحكمة الاتحادية العليا، أمس الأربعاء، أن قراراتها باتَّة وملزمة للسلطات كافة بما فيها الأوامر الولائية.

وقالت المحكمة الاتحادية في بيان تلقته "الصباح": إنه "بموجب أحكام المادة (94) من دستور جمهورية العراق لعام 2005 نصت على (قرارات المحكمة الاتحادية العليا باتَّة وملزمة للسلطات كافة)" .

وأضافت، أن "النص المذكور يشمل جميع الأحكام والقرارات الصادرة منها بما فيها الأوامر الولائية"، مشيرة  إلى أن "هذه المادة حصّنت جميع قراراتها من الطعن بها وإلزامية التنفيذ، حيث أن الدستور هو وثيقة الشعب وقوة أحكام المحاكم الدستورية تستند إلى تلك الوثيقة التي تلزم الجميع عدم خرقها" .

وجاء بيان المحكمة، عقب صدور بيان من مجلس القضاء الأعلى / محكمة التمييز الاتحادية، أكد فيه أنه لا يجوز إيقاف تنفيذ القانون الذي يتم تشريعه من قبل مجلس النواب العراقي قبل نشره في الجريدة الرسمية، فيما ألزم المحاكم بالمضي في تنفيذ تعديل قانون العفو العام وفق نصوصه.

وذكر المركز الإعلامي لمجلس القضاء الأعلى في بيان تلقته "الصباح"، أن "مجلس القضاء الأعلى عقد جلسته الرابعة حضورياً وإلكترونياً، برئاسة رئيس محكمة التمييز الاتحادية فائق زيدان، وتمت خلال الجلسة مناقشة موضوع الأمر الولائي الصادر من المحكمة الاتحادية ذي العدد (3) وموحداته 4 و18 و 19 و 21 / اتحادية / أمر ولائي / 2025) في 4 / 2 / 2025 بإيقاف تنفيذ القوانين الثلاثة التي تم إقرارها في جلسة مجلس النواب العراقي في 21 / 1 / 2025" .

وتابع البيان، أن "المجلس توصل  إلى أن موضوع نفاذ القوانين والطعن بعدم دستوريتها تمت معالجته بأحكام المادتين (93/أولاً) و(129) من دستور جمهورية العراق لعام 2005 إذ يقتضي ابتداءً عند الطعن بعدم دستورية أي قانون يصدر من مجلس النواب أن يتم نشره في الجريدة الرسمية حتى يصبح القانون محلاً للطعن بعدم دستوريته وهذا ما استقر عليه قضاء المحكمة الاتحادية العليا في العديد من قراراتها ومنها القرار ذي العدد (88/اتحادية/2016) في 20 /12 /2016 والقرار المرقم (31/اتحادية/2018) في 11 /3 /2018 " .

وأضاف، أنه "من باب أولى لا يجوز إيقاف تنفيذ القانون الذي يتم تشريعه من قبل مجلس النواب العراقي قبل نشره في الجريدة الرسمية، ولأن الأمر الولائي الذي أصدرته المحكمة الاتحادية العليا آنف الذكر قد نصَّ صراحةً على إيقاف تنفيذ إجراءات صدور ونفاذ قانون تعديل قانون الأحوال الشخصية رقم (188) لسنة 1959 المعدل وقانون إعادة العقارات  إلى أصحابها المشمولة ببعض قرارات مجلس قيادة الثورة المنحل على الرغم من أن هذين القانونين لم ينشرا في الجريدة الرسمية حتى الآن" .

وأشار،  إلى أنه "بهذا يعتبر الأمر الولائي غير ذي موضوع لأنه قد انصب على قانونين غير نافذين لعدم نشرهما في الجريدة الرسمية وأن مجرد التصويت عليهما فقط في مجلس النواب العراقي يقتضي التريُّث في إصدار أي قرار سلباً أو إيجاباً يتعلق بتنفيذ القانون" .

وبيّن، أنه "يلاحظ كذلك بأنه ورد في قرار المحكمة الاتحادية العليا (الخاص بإصدار الأمر الولائي في 4 /2 /2025) بأن إصدار أمر ولائي مستعجل بناءً على طلب مستقل أو ضمني في الدعاوى الدستورية المقامة أمامها لم يتم التطرق إليه كما لم تتم معالجته في قانون المحكمة الاتحادية العليا رقم (30) لسنة 2005 المعدل، ولا النظام الداخلي للمحكمة الاتحادية العليا رقم (1) لسنة 2022، وبذلك فهو يخضع للأحكام المشار إليها في المادتين (151 و 152) من قانون المرافعات المدنية رقم (83) لسنة 1969 المعدل استناداً للمادة (39) من النظام الداخلي للمحكمة الاتحادية العليا" .

ولفت البيان،  إلى أن "المحكمة الاتحادية خلصت في قرارها  إلى أن إصدار أمر ولائي مستعجل محكوم فقط بالضوابط والشروط الواجب توافرها لإصداره الواردة في قانون المرافعات المدنية المذكور، وبالرجوع  إلى تلك الضوابط والشروط نجد أنها أجازت لمن له الحق في الاستحصال على أمر من المحكمة للقيام بتصرف معين بموجب القانون أن يطلب من المحكمة إصدار هذا الأمر في حالة الاستعجال على وفق الإجراءات المبينة في المادتين (151 و152) من قانون المرافعات المدنية، وإذ إن المادة (129) من دستور جمهورية العراق لعام 2005 منعت إيقاف تنفيذ القوانين أو تأجيل تنفيذها أو التريُّث بها ((قرار المحكمة الاتحادية العليا ذي العدد (75/اتحادية/إعلام/2015) المؤرخ 12 /8 /2015))، مما يكون طلب إيقاف تنفيذ القوانين ومن ضمنها قانون التعديل الثاني لقانون العفو العام رقم (27) لسنة 2016 غير وارد قانوناً لتعارضه مع النصِّ الدستوري واستقرار المحكمة الاتحادية العليا وعدم مراعاة الإجراءات القانونية المنصوص عليها في قانون المرافعات المدنية، فضلاً عن أن المادة (153/مرافعات) أجازت للمتضرر من الأمر الولائي الطعن فيه بالتظلُّم أمام المحكمة الذي أصدرته ومن ثم الطعن فيه تمييزاً، في حين أن المحكمة الاتحادية وصفت أمرها الولائي بالبات والملزم للسلطات كافة خلافاً لنصوص قانون المرافعات المدنية الذي استندت عليه والمادة (39) من النظام الداخلي للمحكمة الاتحادية العليا" .

وتابع بيان القضاء الأعلى، أن "الأوامـر الولائية هي قرارات وقتية ولا تتمتع بالحجية الباتَّة والمُلزمة التي هي صفة تلازم الأحكام النهائية الفاصلة في موضوع النزاع"، مؤكداً أن "المحاكم ملزمة بتطبيق قانون العفو العام المصوَّت عليه من قبل مجلس النواب العراقي بتاريخ (21 /1 /2025) وأن المادة (129) من الدستور منعت تعطيل تنفيذ القوانين ما دام لم يصدر قرار باتّ بعدم دستوريتها أو إلغائها من الجهة التي أصدرتها، وبالتالي يكون لزاماً على المحاكم المضي بتنفيذ قانون تعديل قانون العفو العام على وفق نصوصه والتعليمات التي أصدرها مجلس القضاء الأعلى بهذا الخصوص" .

 

صمام أمان

من جانب آخر، أكد رئيس مجلس النواب، محمود المشهداني، أن الجميع ملزم بالقرارات القضائية وما يصدر من المحكمة الاتحادية.

وقال مكتب رئيس المجلس، في بيان تلقته "الصباح": إن "المشهداني أجرى زيارة  إلى مبنى المحكمة الاتحادية العليا والتقى رئيس المحكمة، جاسم العميري"، مبيناً أنه "تم التباحث بشأن ملف تشريع القوانين ضمن الأطر القانونية والدستورية" .

وأكد المشهداني، بحسب البيان، أن "الجميع ينظر  إلى القضاء العراقي كصمام أمان ومظلة لكل العراقيين والجميع ملتزمون بما يصدر عنه من قرارات"، مشيراً  إلى أن "العراق يشهد تجسيداً حقيقياً وواقعياً للمبادئ الديمقراطية، حيث يلجأ أحياناً ممثلو الشعب  إلى المحكمة الاتحادية لممارسة حقهم في الاعتراض على بعض القوانين والقرارات بصورة ديمقراطية وضمن الأطر القانونية"، ولفت  إلى أن "الجميع ملزم بالقرارات القضائية وما يصدر من المحكمة الاتحادية" .

كما دعا رئيس مجلس النواب يوم أمس القوى السياسية للاجتماع في إطار ائتلاف إدارة الدولة.


مواقف "الإطار التنسيقي" و"عزم"

وكان الإطار التنسيقي، أعلن دعمه للمحكمة الاتحادية العليا لإيقاف تنفيذ قوانين (العفو العام والأحوال الشخصية وإعادة العقارات).

في المقابل، قال تحالف العزم في بيان تلقته "الصباح"، إنه "منذ أمس الأول الثلاثاء، وبعد مشاورات مكثَّفة داخل قيادة التحالف، ارتأينا التريُّث في إصدار أي موقف حرصاً منّا على احترام المسارات الدستورية والقانونية، وانتظاراً لاستكمال المؤسسات الدستورية كافة إجراءاتها في النظر بالقضية" .

ورفض تحالف العزم بشدة "استغلال القضايا الإنسانية لأغراض سياسية أو استخدامها كأداة لتأجيج الشارع العراقي، فهذه القضايا تتطلب معالجات قانونية وإنسانية رصينة، بعيداً عن المزايدات والخطابات الشعبوية" .

 

ردود فعل

في غضون ذلك،  قال عضو كتلة "إشراقة كانون" النيابية زهير الفتلاوي لـ"الصباح": إن "قرارات المحكمة الاتحادية ملزمة لكل سلطات الدولة، وأن ما جرى من بعض المحافظين بمثابة تمرُّدٍ، ويجب اتخاذ إجراءات قانونية بحقهم"، موضحاً أن "ما تم من إيقاف بحسب الأمر الولائي لبعض القوانين ليس نهاية المطاف، إنما ستعود تلك القوانين لمجلس النواب وتُقرأ بصورة صحيحة" .

وكان المحافظون في نينوى والأنبار وصلاح الدين قرروا الثلاثاء، تعطيل الدوام الرسمي (أمس الأربعاء) احتجاجاً على إصدار أمر ولائي يخصُّ قانون العفو العام.

من جانبه، بين رئيس كتلة التركمان النيابية، أرشد الصالحي، في حديثه  لـ"الصباح"، أن "الأمر الولائي يتمثَّل بإيقاف القوانين الثلاثة التي شرِّعت بوتيرة أو سلَّة واحدة، وكان الطعن فيها يخصُّ قانون العفو العام وليس القانونين الآخرين" .

وأوضح أن "الإجراءات القانونية بتنفيذ فقرات قانون العفو العام مازالت قيد الدراسة لدى القضاء بشأن المشمولين به، ويجب عدم المساس أو التعريض أو التشكيك بالقضاء أو المحاكم الدستورية بأي شكل من الأشكال" . 

بدوره، أوضح الناطق باسم "تحالف النصر" عقيل الرديني، في حديث لـ"الصباح"، أن "قرار المحكمة الاتحادية العليا بالأمر الولائي لإيقاف تنفيذ القوانين الثلاثة التي صوَّت عليها مجلس النواب ومنها قانون العفو العام، يتمثل بالتأكد من مدى صحة قانونية جلسة مجلس النواب التي صوّت بها على القوانين وتحقيقها للنصاب، وبالتالي، سيكون للمحكمة قرار إما إعادة القوانين  إلى مجلس النواب أو استمرارية تنفيذ إجراءات القوانين بعد الحكم بصحة الجلسة وإنهائها للأمر الولائي الذي أصدرته" . 


الأمر الولائي

وبخصوص الأمر الولائي الذي أصدرته المحكمة الاتحادية العليا، قال رئيس لجنة عمداء القانون في العراق وعميد كلية القانون بجامعة بابل الدكتور ميري كاظم الخيكاني، في حديث لـ"الصباح": إن "قانون المرافعات المدني رسم الآليات التي يتم فيها إصدار الأوامر الولائية" .

وفي ما يتعلق بالقيمة القانونية لتلك الأوامر الولائية، رأى الخيكاني، بأن "قرارات المحكمة الاتحادية العليا ملزمة وواجبة التنفيذ،  إلا أنها تؤشر  إلى حالة مهمة جداً، بأن تلك القوانين لم تُنشر في الجريدة الرسمية (الوقائع العراقية )  إلى الآن، والمحكمة الاتحادية العليا قد استقرت في اتجاهاتها عند النظر في الدعوى بدستورية أو عدم دستورية قانون معين هو أن تنشر تلك القوانين في الجريدة الرسمية "الوقائع العراقية"، وهذا يعني أن هنالك عدولاً في هذا الجانب مع ملاحظة أن القوانين يجب أن تنشر إذا ما كان تاريخ نفاذها محدداً من تاريخ النشر أو من تاريخ التصويت عليها من قبل  مجلس النواب العراقي" .

ويرى السياسي المستقل الدكتور عائد الهلالي، في حديثه لـ"الصباح"، أن "قرار المحكمة الاتحادية وأمرها الولائي بشأن القوانين الثلاثة (قانون العفو العام، قانون الأحوال الشخصية، وقانون العقارات) يشكل مرحلة هامة في تحديد مدى دستورية هذه القوانين وملاءمتها للمبادئ الأساسية للدستور العراقي" .

وبيّن الهلالي، أن "قانون العفو العام يحظى بجدل كبير بين مؤيدين يعتقدون أنه خطوة نحو المصالحة الوطنية ومعالجة آثار الماضي، وبين معارضين يرون أنه قد يؤدي  إلى إفلات بعض الشخصيات المتورطة في قضايا فساد أو إرهاب أو انتهاكات من العقاب"، مؤكداً أن "قرار المحكمة الاتحادية بشأنه سيشكل نقطة فارقة في مسألة تطبيقه، وقد تثير هذه المسألة ردود فعل متباينة بين القوى السياسية، إذ قد تدعم بعض الأطراف تطبيقه بينما يعارضه آخرون" .

بينما رأى الخبير القانون الدكتور بشار الحطاب، في حديثه لـ"الصباح"، أن "المحكمة الاتحادية مارست اختصاصاتها في قانون المرافعات الذي أتاح للمحكمة أنه إذا ما قدم الطلب لها من أطراف الدعوة بإصدار قرار ولائي يوقف تنفيذ القانون بما قد يترتب عليه من آثار لا يمكن تداركها في ما إذا تم الحكم بدستورية القانون المطعون به أمام المحكمة" .

وأضاف، أن "قانون العفو العام صدر بالتزامن مع قوانين أخرى وهو تعديل قانون الأحوال الشخصية وقانون إعادة العقارات  إلى أصحابها المتعلق بكركوك، وبالتالي المحكمة هنا أمام دراسة دقيقة لمجريات التصويت على القانون من الناحية الشكلية ومدى توافر النصاب القانوني لانعقاد جلسة مجلس النواب، بالإضافة  إلى ذلك مدى توافر الأغلبية المطلوبة للتصويت على القانون، أما نصّ قانون العفو العام وفقراته، فهي تتصل باختصاص مجلس النواب 

وصلاحياته" .