لا يزال لسان العديد من المدربين والمحللين في الاعلام الرياضي يلهج بالحديث عن مهاجمين واعدين برزوا أخيراً مع انديتهم في دوري الكرة وقد طالب البعض منهم بضرورة ضمهم الى المنتخب الوطني الاول وتجريبهم خلال بطولة غرب آسيا بعد ان فرضوا أنفسهم بقوة واتضحت بصمتهم التهديفية مع اندية الكرخ والكهرباء ونفط ميسان والطلبة وهم يختلفون بقوة مع رأي المدرب كاتانيتش الذي يرى أن هناك أزمة في الهدافين وانعكست سلبا على المنتخب الوطني لكنه حتى اللحظة متمسك بالمهاجمين علاء عباس ومهند علي ويجد انهما الأفضل في الساحة الكروية المحلية خلال هذه الفترة، قطعا لا يمكننا ان نعترض على رأي مدربنا السلوفيني كونه المعني أولاً وأخيراً بشؤون كتيبة اسود الرافدين، لكن من حقنا وبصفتنا متخصصين في مجال التحليل والتدريب ان نطرح السؤال التالي : هل زار مدرب منتخبنا الوطني كاتانيتش الأندية العراقية واطلع على أساليب تدريب لاعبي المنتخب مع انديتهم بحيث وصل الى قناعة مطلقة بأن المشكلة في السلوك التهديفي والدقة في اتخاذ القرار بالإضافة الى اساليب توظيفهم خلال مسابقة الدوري والتعرف على نوعية التمارين الخططية التي يتدربون عليها وهل مراكزهم الحالية في فرقهم تنسجم وتتلاءم مع مفكرته التكتيكية التي يرغب في تنفيذها خلال تصفيات كاس العالم 2022 المقبلة؟.
لوف و البوندسليغا
لعل ابرز ما شدد عليه مدرب منتخب المانيا الحالي يواكين لوف خلال مرحلة التجديد وإعادة هيكلة فريقه بعد إخفاق كأس العالم في العام الماضي هو دراسة وتحليل النموذج الحركي لمهاجمي الدوري الألماني البوندسليغا وطرق تطوير جوانب اللياقة لديهم والارتقاء بسماتهم البدنية على غرار ( السرعة – القوة – دقة الانهاء – التركيز الذهني ) بمساعدة طاقمه التحليلي،ووجد لوف ان جميع اللاعبين يستخدمون ذات القدرات الجسمانية لكن بطرق مختلفة وفي حالات متنوعة بحسب توزيع الأدوار، أي هناك من يحب اللعب والتحرك في المساحات الكبيرة ويميل الى استعراض مهارته وآخر يجيد اللعب في الزون الضيق وتحت الضغط والتمرير القصير وثالث يراهن على قوة الارتقاء في القفز ويبحث دائما عن الكرات الهوائية وقد دوّن ذلك في مفكرته الخاصة خلال زياراته الدورية للاعبي المانشافت وهم يتدربون مع انديتهم، من اجل الإفادة من أساليب مدربيهم في الأندية اما لتطويرهم في المنتخب او إعادة توظيفهم في مراكز وأدوار جديدة وهذا ما فعله مع لاعب بايرن ميونيخ والمنتخب سيرجي غنابري إذ ناقش مدربه نيكو كوفاتش بشأن قدرات اللاعب الهجومية وقرر لوف وضعه رأس حربة ومهاجما صريحا في المنتخب وليس في طرفي الملعب كما يؤدي في البافاري وبعد التجريب والتحليل تأكد ان هذا الشاب الأسمر مهاري دائم التحرك يخدم فلسفته وطريقة لعبه ويجيد التصرف بالكرة بجميع أجزاء جسمه ولديه تمركز واتزان كبير لحظة القفز او الدريبل مع التمريرات الدقيقة والتسديدات وسيكون مثمرا في الامام .
مسؤولية مشتركة
ان عملية تطوير المهاجمين هي مسؤولية مشتركة بين مدربي المنتخبات والأندية لأن جميع الاطقم الفنية تدرك جيداً أن أي لاعب يؤدي دور المهاجم لديه العديد من المسؤوليات المركبة فالمسألة لا يتم اختزالها في كيفية وضع الكرة في شباك المنافس بل تتعلق بتطوير القرار الذهني وبديهية التصرف وزيادة العوامل المحفزة لإتقان مهارة الانهاء والدقة في التسجيل من مختلف الاوضاع بحسب تموضعه وان يسعى المدرب الى يكون شعار الهداف في التدريب والمباراة انه « كلما كان مكان الكرة يبعد بنحو نصف ياردة عن قدم المنافس كلما زادت فرصته للتحرر من المدافع والاقتراب اكثر من الهدف والفوز بالمساحة أي ان الحصول على المسافة والزمن في المناطق القريبة من الهدف تزيد من احتمالية احراز الأهداف وتعقد الموقف على المدافعين بالإضافة الى زيادة نسبة التوقع الصحيح وردة الفعل العالية لحظة التصرف بالكرة ولعبها من أماكن مختلفة والتعامل مع التمريرات المفتاحية خلف المدافعين او الذكية من مختلف ارجاء الملعب» ، بمعنى اخر ان المهاجم يمر في حالة تفكير مستمرة لمنع أي مدافع يقوم بمراقبته وعزله ليكون بعيداً عن مسار التمرير من دون ان نغفل تمارين الثبات الذهني والعضلي عندما يكون تحت الضغط وطريقة الحفاظ على الكرة في المناطق القريبة من الهدف ،وتكييف حركة المهاجم وتوظيفها مع المرونة العالية لمساعدته في مفاجأة اقرب المدافعين وصعوبة تخمينه للقرار الذي سيتخذه واجباره على التمركز الخاطئ او اخذ الاماكن الصعبة لحظة التصدي للكرة ما يسهم بفسح المجال الى الاخرين للقيام بعملية التهديف واخيراً توظيف القوة الجسمانية وتطوير مهارة الحجز واستخدام اليدين والاكتاف للحفاظ على الكرة بواسطة الرشاقة والتموضع الامامي مع اللامركزية وان التصرف والتحكم بالكرة ليس عشوائيا بل يأتي عبر التمارين والتكرار الذي يرسخ مفهوم الانضباط وفهم الأدوار الساندة خلال فقدان الكرة .
كاتانيتش لم يأت بجديد
لقد بدد مدرب منتخبنا الوطني السنة الاولى من عقده ولم يكن قريباً من لاعبيه ولم يحضر أي حصة تدريبية لأي ناد عراقي على الرغم من طول فترة الدوري الذي لم تنته منافساته واكتفى فقط بالمشاهدة التلفازية او المكوث بين عائلته في بلده وتمنينا كثيرا ان يكون حاضراً ومساهماً وشاهداً على تدريبات لاعبي المنتخب الوطني في انديتهم ومعرفة الأسباب الحقيقية بشأن فرضيته السابقة بوجود ازمة الهدافين لكي يسهم بتطويرهم مع المنتخب، بفضل تنوع التمارين الخططية والاكثار من التسديدات على الأهداف من مسافات محددة او من حالات لعب مختلفة والجودة في التطبيق والتنفيذ لاسيما في مسألتي التمركز والتحرر من الرقابة والتواجد في الثغرات والمساحات بين خطوط الدفاع لأنه يمنح المهاجم التوقيت والتزامن الصحيح لحظة شغل الفراغات والاهم من هذا وذلك هو تدريب المهاجمين على طريقة التعامل مع اول لمسة مع الديناميكية المستمرة في التحكم والقيام بالتحركات الذكية وانهاء الهجمة باقل وقت ممكن ، صدقا أقول ان كاتانيتش لم يشعر الوسط الرياضي ولا اتحاد الكرة بانه مدرب يمتلك خصوصية احترافية في العمل وأنه جاء بأمور جديدة تختلف عن الاخرين بل ان طريقة تفكيره وتعامله وتخطيطه مع لاعبي الدوري المحلي لا تختلف كثيراً عن أي مدرب عراقي سابق تولى مهمة تدريب اسود الرافدين !.