المعارضة في الدولة وللدولة

العراق 2019/07/05
...

حسين العادلي
• على الرغم من بروز (المعارضة) كتعبير عن القوة السياسية في بريطانيا أواخر القرن الثامن عشر الميلادي، إلاّ أنَّ تكامل مصطلح المعارضة لم يستقر إلاّ بتكامل بنية الدولة الديمقراطية ونضوج مفهوم السلطة فيها، وبالذات تطور طرق انتزاع السلطة سلمياً وإدارتها كوظيفة وليس كامتياز.
• لا وجود لنظام سياسي دونما معارضة، فالصراع على السلطة (أو وظائفها) هو محور الصراعات الإنسانية عبر التاريخ. لكن، اختلاف أشكال المعارضة يتبع النظام السياسي نفسه، فالمعارضة بالنظام الديمقراطي أساس، بينما لا معارضة في ظل الأنظمة الثيوقراطية والشمولية والدكتاتورية والملكية الحاكمة، كونها أنظمة مغلقة سياسياً تقوم بنيتها على احتكار السلطة وتأميمها الآيديولوجي وتوريثها العائلي أو الفئوي، ومعارضتها هنا تعني إسقاطها (ثورياً أو انقلابياً) وزوال نموذج الدولة كبنية ونظام حكم وهوية سياسية، لذا فهي معارضة للدولة وليس في الدولة.
• المعارضة في الدولة الديمقراطية هي سياسية وحسب، وليس في قاموس الدولة الديمقراطية معارضة ثورية أو مسلحة أو متمردة على الدولة، بل هي معارضة دستورية قانونية ملتزمة بأسس وبنية نظام الدولة. ومحور المعارضة لديها هو الحكومة (المتغيّرة انتخابياً) وبرامجها وسياساتها. إنّ (المعارضة الديمقراطية) هي نتاج تقابل ثنائي (الحكم/الإيجاب) بـ (خارج الحكم/السلب)، وتضادهما وتقابلهما وحراكهما مكفول دستورياً وقانونياً، لذا فهي معارضة في الدولة وليس للدولة. 
• المعارضة في النظام الديمقراطي تقوم على الاعتراف بشرعية الدولة والخلاف ينحصر بالحكم، وبما أنَّ تغيير الحكم يتم عبر مبدأ التداول السلمي للسلطة وفق نتائج انتخابات حرة نزيهة، فالمعارضة الديمقراطية تكون بالضرورة سلمية. بينما المعارضة في الأنظمة غير الديمقراطية تقوم على عدم الاعتراف بالدولة كنظام حكم، وبما أنَّ السلطة محتكرة ومأممة بالكامل حيث لا رأس مال سياسي خارج إطار النظام والسلطة الشمولية، فلا معارضة سلمية بالضرورة، والثورة والإنقلاب والعصيان والتمرد المسلح هو ما يعبّر عنه بـ(المعارضة).
• لا معارضة (سياسية) دونما ديمقراطية، ولا ديمقراطية دونما مواطنة بضمانات وحقوق وحريات مكفولة،.. ونتاج الضمانات والحقوق والحريات هي المشاركة السياسية، والتعددية السياسية هي ثمرتها،.. ولا تعددية سياسية دونما أحزاب بهويات فكرية وبرامجية متنوعة، وجوهر الصراع بالأنظمة الديمقراطية هو صراع حزبي برامجي لإدارة فعل الحكومة.
• المعارضة من لوازم النظام الديمقراطي القائم على مبدأ الأغلبية السياسية والأقلية السياسية، فالأغلبية السياسية (البرلمانية) تحكم من خلال حكومة تشكّلها، والأقلية السياسية (البرلمانية) تعارض الحكومة في أدائها وبرنامجها وسياساتها. إنَّ الأغلبية والأقلية بالنظام الديمقراطي هي سياسية صرفة وليست أغلبيات وأقليات تقوم على أساس عرقي أو ديني أو طائفي.
• جميع أشكال (الديمقراطيات) غير المستندة إلى الأكثرية والأقلية السياسية برلمانياً هي احتيال على الديمقراطية، ولا معارضة سياسية فيها بالضرورة،.. فالديمقراطية التوافقية –مثالاً- تقوم على فلسفة (حكم المكوّنات) العرقية الطائفية بالدولة وحصصها بالسلطة والثروة والتعابير السيادية، والجميع لديها مشترك بالحكم عبر ممثلين بانتخابات هي أقرب إلى استفتاءات عرقطائفية لممثلي كل مكوّن، وعدم المشاركة بالحكم يعني الإقصاء بحق طائفة أو قومية (مكوّن)، وعليه فلا يقبل جنس النظام التوافقي العرقطائفي أي معارضة كونها تعني الإقصاء والحرمان من حق المكوّنات بالدولة، فالدولة بالديمقراطية التوافقية هي دولة مكوّنات مجتمعية وليست دولة جمهور مواطني.