خطر الأميَّة وتراجع الحضريَّة على الشباب

آراء 2019/07/07
...

د.عبد الواحد مشعل

تعدُّ المرحلة الحالية من أعقد المراحل التي يمرُّ بها المجتمع العراقي، نظراً لحالة التأخر التي تطال كل زاوية فيه، ولعلَّ أخطر ناحية، هي الأزمة التي يعيشها الشباب اليوم، ولا سيما مشكلة الأمية المنتشرة بين صفوفهم والتي زادت الموقف تعقيداً، ففي الوقت الذي يسعى العالم اليوم من أجل التنمية والانتقال الى مرحلة متقدمة من المدنية، يعاني المجتمع العراقي من تراجع خطير في المجالات كافة وسط مشكلات اقتصادية واجتماعية، عجز الفكر السياسي العراقي عن تجاوزها، الأمر الذي يتطلب من الجميع الوقوف بوجه كل حالات التعطيل التي تواجه التنمية، وان تجاوز أزمة المجتمع العراقي ومنها أزمة الشباب هو في توجيه الجامعات ومراكز الأبحاث وعلى نطاق واسع الى إجراء الدراسات العلمية من أجل صياغة تصورات علمية تكون قادرة على رسم خارطة طريق تهيئ الأجواء المناسبة للتنمية البشرية المتوقعة بعد اتخاذ قرار شجاع لإجراء التعداد العام للسكان يتجاوز الخلافات السياسية، فليس من المعقول أنْ تبقى عملية التنمية البشرية رهينة الخلافات السياسية لأنَّ مصلحة الإنسان العراقي فوق كل اعتبار كما أنَّ إخراج الشباب من أزماتهم الثقافية والاجتماعية والتعليمية هي أيضا فوق كل اعتبار.
إنَّ تعرض المجتمع العراقي الى أزمات متلاحقة منذ بداية ثمانينيات القرن الماضي وحتى المرحلة الحالية أدت الى تراجع خطير في مؤسساته الرسمية وغير الرسمية وتراجعت كثيرٌ من قيمه الاجتماعية وتفككت علاقاته الاجتماعية، إذ أدى توقف التنمية منذ السنوات الأولى من ثمانينيات القرن الماضي الى تأخر المجتمع وتدهوره، لا سيما في قطاع التعليم الذي شهد انحطاطاً واسعاً تغيرت بموجبه تطلعات الشباب نحو التحصيل العلمي، بعد أنْ فقدت المؤسسة التربوية مرتكزاتها التنظيمية وتراجع دور المعلم بعد أنْ عاش أزمته
الحقيقيَّة. 
كما أنَّ الحروب المستمرة أدت الى تراجع الحماس العلمي وتلاشي الكثير من الأحلام لدى الشباب بسبب ضغوطات الحياة الاقتصادية المتزايدة عليهم، كذلك انتشار المفاهيم التقليدية بعد انحصار المظاهر الحضرية في المدينة العراقية وضعف سلطة القانون، إذ اتجهت الدولة خلال حقبة الثمانينيات والتسعينيات الى تنمية النزعات العشائرية والمظاهر العسكرية لتحقيق مصالحها، كما أنَّ المرحلة الماضية شهدت ترك أو تسرب أعدادٍ كبيرة من الأطفال من المدارس وزجهم بالعمل من أجل سد احتياجات الأسرة المتزايدة، ولا سيما في الأسر الفقيرة أو تلك التي فقدت معيلها، وتشير كثيرٌ من الإحصائيات الى أنَّ أعداد الأرامل والمطلقات في تزايدٍ مستمرٍ بعد أنْ وصلت الى نحو مليوني امرأة، والمشكلة الأساسية التي أخذت تؤثر في المجتمع العراقي هي انتشار الأمية بين الشباب التي أخذت طابعاً مخيفاً في السنوات الماضية، وما زالت تتفاعل، الأمر الذي يدعو أصحاب القرار الى توجيه مراكز الأبحاث والجامعات من أجل دراسة الظاهرة، وكشف أسبابها من أجل توفير الآليات اللأزمة لعلاجها، إلا أنَّ الإشكالية المعقدة هنا، هي كيف يتم توظيف الشباب في التنمية طالماً أنَّ قطاعاً كبيراً منهم لا يستطيع القراءة والكتابة، فضلاً عن معاناة أعداد كبيرة منهم من الأمية الثقافية، فالأجيال الجديدة لم تعد تقرأ الكتب أو تطلع على ثقافات الشعوب مثلما كانت الحالة سائدة في الماضي، وإذا كان البعض يرجع هذه المسألة الى طغيان وسائل الاتصال الحديثة، فإنَّ المشكلة الأساسيَّة أيضاً مرتبطة بالظروف الاقتصادية والاجتماعية التي سادت البلاد لفترة طويلة وأدت الى تخريب الإنسان وتلوث أفكاره حتى أضحت الأميَّة إحدى السمات الفاعلة فيه، إذ شهدت المدن فيه حالة ترييف خطيرة جراء نزوح أعداد كبيرة من الريفيين تجاه المدن من دون أنْ تستطيع المدينة استيعابهم، وأصبحت الثقافة الريفيَّة هي المؤثرة في حياة 
المجتمع.
إنّ غياب ستراتيجيَّة واضحة إزاء هذه الأزمات يضع المجتمع أمام تحديات حضارية كبيرة، ففي الوقت الذي يتزايد عدد سكانه بشكل مطرد لا نجد خطة متكاملة تضع التطورات المستقبليَّة في الحسبان، لا سيما في ما يتصل بالجانب المعرفي، وضعف أداء المؤسسات التعليمية وعدم وجود محاسبة قانونية صارمة تجاه الأسر التي لا تدفع أبناءها الى الالتحاق بالمدارس أو تجاه تلك التي تشجع أبناءها على ترك الدراسة وإلحاقهم بمهن لا تتناسب مع أعمارهم، ما ينذر بتكوين جيل تنتشر فيه الأمية بشكل كبير، وعلى الرغم من الجهود التي تبذلها وزارة التخطيط والمؤسسات الرسمية المتعاونة معها بباحثيها وإمكانياتها، إلا أنَّ الخطر لا يزال محدقاً بالشباب ويهدد مستقبلهم والبلد بكامله، فضلاً عن عدم وجود صناعة وطنيَّة وزراعة محليَّة متطورة قادرة على استيعاب الخريجين من الجامعات والمعاهد، ما جعل هذا الواقع يعطي ذرائع لأولياء الأمور في عدم تشجيع أبنائهم بالذهاب الى 
المدارس.
إنَّ الخروج من هذه الأزمة يتطلب القيام بإجراءين: الأول، هو تفعيل القوانين بشأن التعليم الإلزامي والتشجيع على التعلم، وثانيهما هو وجود إجراء حقيقي من قبل الدول بالقيام بتنمية شاملة تفتح آفاق العمل أمام الشباب، لا سيما تفعيل مؤسسات القطاع الخاص وتنشيط دورها وتوفير الدعم والتشجيع اللازمين لها، لكي تأخذ دورها التنموي في نهضة البلاد واتساع قدرتها على استيعاب أعدادٍ كبيرة من الشباب المتعلم في نشاطاتها المختلفة، وكل هذا يستلزم تضافر الجهود الرسميَّة وغير الرسميَّة في هذا الاتجاه من خلال دعم وتشجيع سكان المجتمعات المحلية على تنمية مناطقها، التي ينبغي أنْ تكون جزءاً مكملاً للتنمية الشاملة في 
البلاد.