محاكمة نتنياهو وتأثيرها في المنطقة

آراء 2025/03/06
...

 نرمين المفتي 


يصر رئيس وزراء الكيان الصهيوني نتنياهو على التهرب من جلسات محاكماته باتهامات الفساد، التي تشمل تلقي رشى واحتيال وخيانة للثقة العامة ومنح زوجته صلاحيات بالتصرف بالأموال العامة، وهي في حال إثباتها وهذا امر ليس مستبعدا، ستقضي على مسيرته السياسية الطويلة، ومع ذلك، مستخدماً سلطته السياسية لتأجيل الإجراءات القضائية وإثارة قضايا أمنية وسياسية لصرف الانتباه عن قضاياه الشخصية. ويجد دائما من يقف معه من الصهاينة المتطرفين الذين هم أعضاء في حكومته أو استقالوا بسبب قبوله الهدنة وتأكيداتهم عن العودة إلى حكومته في حال استئناف الحرب في غزة واستمرار عملياته النارية من تهجير قسري تهديم البيوت وجرف الشوارع والمزارع في الضفة الغربية، والتي دخلت يومها السادس والأربعين مع كتابة هذا المقال. 

ويبدو أنه نجح بشكل أو بآخر للتهرب من خلال استخدامه للصراعات الإقليمية والأمنية كأداة لتعزيز شعبيته وتبرير بقائه في السلطة. ففي كل مرة تقترب المحكمة من إصدار حكم أو اتخاذ إجراء حاسم، يلجأ نتنياهو إلى تصعيد التوترات مع الفلسطينيين أو مع دول الجوار، مثل لبنان وسوريا، لخلق حالة من الطوارئ التي تبرر تأجيل المحاكمات أو تعليقها. مؤخرا، ومع بدء الهدنة التي انتهت المرحلة الاولى منها، بدأ هجمات عسكرية عنيفة في الضفة الغربية وارغم اكثر من 48 الف فلسطيني على النزوح من مخيمات جنين وطولكرم، مهددا باستئناف مصادرة الأراضي وبناء المستوطنات واعتبار الضفة الغربية جزءا من اراضي (إسرائيل التوراتية) التي اشار اليها السفير الأمريكي المعين لدى تل أبيب مع إشارة إلى أن اسمها ستكون (يهودا وسامرة) وليس (الضفة الغربية) من الان وصاعدا.. وطبعا ليس هناك من يتهم نتنياهو من انتهاك اتفاقية السلام، اتفاقيات اوسلو، وغيرها، لان دائما هناك في امريكا وغيرها من يبرر له جرائمه.. ونشير مرة أخرى إلى أنه لولا تواطؤ بعض الدول العربية بإيصال الوقود والمواد الغذائية برا إلى الكيان منذ منتصف أكتوبر/ تشرين أول 2023، لكانت الخرب انتهت في أيامها الاولى. وجاء قراره الأخير بمنع دخول المعونات الإنسانية إلى غزة ومن بينها المواد الغذائية كخطورة تصعيدية اخرى، وقراره هذا ليس للضغط على (حماس) فقط انما وسيلة لتصوير نفسه كزعيم قوي يحمي أمن (إسرائيل) من “التهديدات” القادمة من غزة.

 واذ ادانت دول عديدة من بينها عربية منع دخول المواد الغذائية، الاجراء الذي وصفته المقاومة الفلسطينية بجريمة حرب جديدة، بينما تدافع دول غربية عن هذا القرار لأنه (نتنياهو) تحت ضغط اهالي الاسرى! وبالتوازي مع إجراءات نتنياهو، صرح مسؤولون صهاينة متطرفون على البقاء في مواقع معينة في جنوب لبنان والمواقع السورية التي احتلتها قواتهم مؤخراً، كجزء من “إسرائيل التوراتية”، مما يعكس نزعة توسعية 

خطيرة. 

وليس تحدياً للقانون الدولي، بل أيضاً محاولة لخلق وقائع جديدة على الأرض تعزز المطالب الصهيونية في أية مفاوضات مستقبلية. وبدورها، قامت الصحف التي تصدر في الكيان بنشر مقالات تشكك في إمكانية التوصل إلى إجماع عربي حول إعادة إعمار غزة وعدم تهجير سكانها في خطوة تدعم موقف نتنياهو وتهدف إلى إضعاف أي جهود عربية أو دولية لتحقيق سلام عادل ودائم، وتعزيز الرواية الصهيونية التي تقدم الكيان كضحية تحاول الدفاع عن نفسها في بيئة معادية. 

ان محاولات نتنياهو للتهرب من المحاكمة بتهم الفساد ليست فقط قضية قانونية داخلية، بل لها تداعيات خطيرة على القضية الفلسطينية وعلى الاستقرار الإقليمي. 

استخدام الصراعات الأمنية والإقليمية كأداة لتحقيق مكاسب سياسية شخصية يزيد من تعقيد الوضع ويؤخر أي إمكانية لتحقيق سلام عادل. المجتمع الدولي مدعو إلى مراقبة هذه التطورات عن كثب والضغط، من أجل محاسبة نتنياهو على أفعاله، ليس فقط في ما يتعلق بقضايا الفساد، بل أيضاً في ما يتعلق بسياساته التوسعية والقمعية التي تزيد من معاناة الشعب الفلسطيني وتقوض أي أمل في اي حل.