كاظم غيلان
ظلت قصيدة الشاعر محمد صالح بحر العلوم (أين حقي) محط إعجاب وترديد أجيالنا التي شهدت متغيرات وانعطافات حياتنا بمختلف أصعدتها السياسية، الحياتية، الثقافية، والمستقبلية .
قصيدة مباشرة بعيدة عن ألغاز الحداثة وتركيباتها، إلا أنها قصيدة ضاجة بأسئلة الواقع، الكل يسأل عن حقه المستلب المضاع، العامل، الفلاح، الكوخ، الدفان، حارس الشيخ، الدم، السماء .... الخ .
في أمثالنا الشعبية الدارجة المتداولة نقول: (الحكوك تريد حلوك) مع أننا نعرف جيداً بسياسة تكميم الأفواه في بلدان أدمنت حكوماتها على تضييق الحريات، إن لم يكن قمعها، وبحدود تجربتنا العراقية نتذكر جميعاً الشعار الذي رفعه شبان تشرين (نازل اخذ حقي) وكيف جوبه أهله .
بلدان تغتصب أراضيها، وتباد شعوبها وفقاً لتقسيمات طائفية وأسباب أخرى أشد قرفاً، لكنك تجد البعض من مثقفيها يطل على الفضائيات متناسياً ما حصل لشعبه، ليصدع رؤوسنا بمناداته في (حقوق الملكية الفكرية والتأليف) وينتقد سياسة (توزيع الكتاب) دون أن يلمح ولو بإشارة لشعبه، مديناً مقتل أقرب جار لسكناه (على الهوية)!.
بلادنا العربية وبفضل معظم حكوماتها تجيد صناعة المغاليق حتى تضيق الأرض بالحالمين في حريتهم، ولذا يزهق شاعر كمحمد الماغوط ليصرخ :
(أنا حذاء، فأين طريقي؟).
ابتلانا الله بازدواجية بعض مثقفينا شر بلاء، وإلا ماذا يعني إدانتنا للفساد المستشري الذي تجاوز (الزبى) ولا أقول بلغه، لكننا نحضر مهرجاناً شعرياً، يموله ويرعاه ويحتل مقاعده الأولى شلة من الفاسدين .
ألم نسأل أنفسنا ولو همساً: أين حقوق الإنسان ومن ثم لنسأل عن حقوق الطبع والملكية الفكرية؟.
المثقف النقابي يراقب صفحته في فيسبوك ليحصي عدادات الإعجاب، لكي يضمن الدعوات والامتيازات لـ (معجبيه) ويوفر لهم حقوقهم التي يستلبها ممن أعطوا علامات الإعجاب لمعارضيه!.
لكن هذا المثقف حين يتحدث عن حرية الرأي يسحرنا بـ (درخه) لما قاله (غرامشي) في مفهوم (المثقف العضوي).
الحريات تضيق بينما يتسع أفق القمع في بلدان لا تجد في مثقفيها سوى تقوقعهم بأبراجهم العاجية، وقدرتهم اللامتخيلة في إجادة الرطانة بمفاهيم الحب والعدل والمساواة، لكنهم أول من يصفق لكل حاكم يستلب هكذا حقوق نصت عليها جميع اللوائح والقوانين المعنية بالإنسان، لا لشيء، إنما لمجرد تمويل الأبراج العاجية وسكنتها من أرصدة الفساد .
(ما ضاع حق وراءه مطالب) لكننا نكتفي بمنشورات الاحتجاج والتذمر ونطالب بإنزال أقصى العقوبات بحق قاتل زميل لنا في الثقافة حتى نجده في اليوم التالي يتمتع بحريته الكاملة، بينما دم زميلنا يصرخ:(أين حقي). وبما أن (الذكريات صدى السنين الحاكي) تذكرت قصيدة الصديق الشاعر الراحل (علي الكعبي) في ذات مهرجان شعري عمالي كان يعقد بمدينة البصرة في كل تموز، يوم صرخ منتشياً بقوة الطبقة العاملة وحقوق مطارق العمال :
(حلاة الحك
هله اجواكيج
تصعد للسما وتندك).