مراقبون يؤشرون تراجع معدلات الرشوة وزيادة حفظ المال العام

بغداد: هدى العزاوي
أشرت لجنة النزاهة النيابية ومختصون بمجال مكافحة الفساد، تراجع معدلات الرشوة في البلاد، بالتزامن مع زيادة خطوات الحفاظ على المال العام. وتأتي هذه المؤشرات تأكيداً للتقارير الدولية والمحلية؛ في ظل الخطوات التي اتخذها رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، منذ تسنمه منصبه، بمجال مكافحة الفساد المالي في البلاد وتعزيز أداء الجهات الرقابية بما يضمن المحافظة على المال العام والقضاء على ملفات الفساد.
ففي كانون الثاني 2024 أصدر السوداني سبع توصيات لتعزيز جهود مكافحة الفساد، شملت الإسراع في حسم الدعاوى الجزائية، وتقييم أداء المسؤولين، وتعزيز قدرات الأجهزة الرقابية، وتحديث التشريعات ذات الصلة، وفي آذار من العام نفسه، أصدر ثلاثة توجيهات إضافية لتعزيز الرقابة الداخلية في المؤسسات الحكومية، بهدف حماية المال العام ومنع هدره.
النزاهة الاتحادية والنيابية
عضو لجنة النزاهة النيابية، أحمد طه الربيعي، أشاد في حديثه لـ"الصباح"، بنشاط هيئة النزاهة الاتحادية في الفترة الأخيرة، عادّاً أن "ما حققته مؤخراً استمرار لعملها السابق" .
وأكد الربيعي "التنسيق الكبير الذي أحدثته هيئة النزاهة الاتحادية للقضاء على الفساد بالتعاون مع لجنة النزاهة النيابية ومجلس القضاء الأعلى، وكذلك الدعم الحكومي الكامل للسيطرة على المال العام والتقليل من معدلات الرشوة" .
ولفت إلى أن "لجنة النزاهة النيابية - وبحسب استقراءاتها وما يردها من بيانات - تؤكد تراجع معدلات الرشوة".
وللحفاظ على هذه المؤشرات طالب الربيعي بـ"تفعيل البرامج التثقيفية الخاصة بمكافحة الفساد وعدم مقبوليتها أخلاقياً ومجتمعياً، بالإضافة إلى دعم لجان مكافحة الفساد التي تشكلت في الكثير من الوزارات والشركات العامة والتي بدأت بأخذ دورها التثقيفي في نقل التوصيات واللوائح الخاصة بهيئة النزاهة الاتحادية وذلك من خلال دوائر الرقابة والقانون في الشركات العامة والمؤسسات الحكومية" .
وبيّن أن "هذا النوع من أنواع التثقيف الاجتماعي يعدُّ عاملاً مهماً للقضاء على الفساد والحفاظ على المال العام، وأن كل الجهود المبذولة تحسب لجميع من ساهم فيها سواء على مستوى الحكومة كجهة تنفيذية أو النيابية كجهة رقابية بالإضافة إلى القضاء" . وكانت هيئة النزاهة الاتحادية، أعلنت مطلع شهر آذار الجاري، عن إحصائية لنشاطاتها المنفذة خلال شهر كانون الثاني الماضي، إذ توزعت ما بين 95 عملية ضبط، 20 متهماً تم ضبطهم بالجرم المشهود، بينما بلغت أوامر القبض والاستقدام القضائية بحق ذوي الدرجات العليا 32 أمراً. وبيّنت النزاهة، أن عدد أحكام الإدانة القضائية 185 حكماً، و318 عدد المدانين بأحكام قضائية، فضلاً عن 61 ملفاً لتسليم الهاربين والأموال المهربة، فيما بلغ عدد زيارات مراقبة الأداء الوظيفي في مؤسسات الدولة 78.
رأي الخبراء
من جانبه، قال الخبير الممارس في تعزيز النزاهة ومكافحة الفساد، سعيد ياسين موسى لـ"الصباح": إن "الرشوة والابتزاز المالي من أخطر التحديات أمام الحكومات، وهذه جاءت بسبب تخلف الإجراءات الإدارية السابقة التي تعتمد على التعاملات الورقية والاتصال المباشر بين المواطن المراجع والموظف".
وأوضح أن "الحكومة الحالية اتخذت عدة إجراءات من أجل احتواء جريمة الرشوة لحدِّ القضاء عليها، جزء من هذه الإجراءات إدارية منها تبسيط الإجراءات الحكومية وفتح موقع (أور) الإلكتروني في الأمانة العامة لمجلس الوزراء، ومن ثم الانتقال إلى أتمتة المراجعات في العديد من الوزارات والمؤسسات العامة".
وبيّن أنه "تباعاً تم استكمال حوكمة المؤسسات من خلال التأسيس للحجز المسبق في المراجعات للبطاقة التموينية ومراجعة وزارة الخارجية ووزارة الداخلية في دائرة الجنسية والبطاقة الوطنية والجوازات والمرور وتسلم الجبايات والرسوم عن طريق بطاقات الدفع المسبق، مع توفير أماكن ملائمة تحترم المواطن أثناء المراجعة" . وأشار موسى إلى "اعتماد نظام (أسيكودا) في قطاع الجمارك مع إجراءات أتمتة قطاع المنافذ الحدودية، وكذلك في العديد من المؤسسات الخدمية في تلقي الشكاوى وتلبيتها مع المتابعة ومراقبة المنجز من الأعمال، كما تصاعدت الإجراءات في التقييم الإداري والتوظيف في المواقع الحكومية المتقدمة، وكذلك التجربة الناجحة لمجلس الخدمة الاتحادي مع محدودية المشمولين بنظامه؛ أي الخريجين الأوائل" . وأكد الخبير في النزاهة ومكافحة الفساد، أن "المؤشر الأساس هو تلبية متطلبات المادة 10 (إبلاغ الناس/ تدابير وقائية) على وفق اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد".
وأضاف: أن "التقدم المحرز في مؤشر مدركات الفساد لسنة 2024 الصادر في بداية هذه السنة 2025 كان جزءاً مهماً منه تبسيط الإجراءات الحكومية والمراجعة والتقييم والتقويم الإداري لرفع الأداء الوظيفي" .
وأكد موسى "الحاجة إلى تشريع قانون (حق الاطلاع على المعلومات) وتيسير الوصول إليها وسهولة وصول المواطنين إلى تلمس المعلومات حسب المؤسسات وتخصصها ليكون المراجعين على علم وتلبية متطلبات المراجعات"، منوهاً بـ "وجود تحدٍّ كبير في تسجيل الشركات والضرائب والتسجيل العقاري، لاسيما أن هناك ممارسات فضلى في العديد من الدول أرى من الضروري الاطلاع عليها للمحافظة على المنجز وتطويره والارتقاء بالأداء العام، كما أنه من الضروري الترويج والتعريف والتثقيف لآليات وطرق استخدام الاتمتة من قبل المواطنين، وهي مسؤولية الجميع من مؤسسات حكومية وغير حكومية وكذلك وسائل الإعلام" .
وشدد على أن "الحكومات تتقدم وترتقي في الأداء من خلال تشريعات ذات جودة تشرعها السلطة التشريعية مع تطوير المنظومة العقابية للردع وضمان عدم الإفلات من العقاب، لأن السلطة التنفيذية ليست وحدها فقط مسؤولة عن تعزيز النزاهة ومكافحة الفساد؛ بل أن المهمة تكاملية بين السلطات الثلاث والإعلام بمشاركة المجتمع المدني وشركات القطاع الخاص والجهات الدينية وكذلك التعاون مع المنظمات الدولية، على وفق نظام النزاهة الوطني والذي يعتمد على توزيع الأدوار وتكامل الأدوار، كما أن هناك فجوة قانونية بين القوانين العراقية واتفاقية مكافحة الفساد، ونحتاج إلى ردم هذه الفجوة" .
وختم الخبير بمجال مكافحة الفساد حديثه بالقول: "أود التذكير بأن توقيع العراق على اتفاقية دولية لمنظمة التعاون الإسلامي فتح الباب واسعاً أمام العراق في مجال تبادل المساعدة القانونية وإجراءات استرداد المطلوبين وتجميد وحجز واسترداد الأموال المنهوبة، ووفق المتاح من الإجراءات فيوجد تقدم في مجال تعزيز النزاهة ومكافحة الفساد وفق المعايير الدولية وعلينا استكمال إجراءات التدابير الوقائية".
تحديات كبرى
بدوره، قال مدير "المركز العراقي للدراسات الستراتيجية"، الدكتور غازي فيصل حسين، في حديث لـ"الصباح": إنه "على الرغم من الجهود الحكومية المبذولة؛ تشير التقارير الحديثة إلى أن العراق لا يزال يواجه تحديات كبيرة في مكافحة الفساد المالي".
وأضاف، أنه "وفقاً لدراسة (الفساد والنزاهة في القطاع العام العراقي) تتفاوت نسبة انتشار الرشوة بين المحافظات"، داعياً إلى "المزيد من الإجراءات لدعم الجهود المبذولة في هذا الجانب".