بغداد: ودق الجميلي
في ظهيرة يومٍ ربيعيٍّ، يقف حسن العباسي على ضفّة نهر دجلة، حيث اعتاد صيد السمك مع أبيه قبل ثلاثين عامًا، لكنّه اليوم لا يرى سوى زجاجاتٍ مكسورةٍ تطفو بين أكوام النفايات، بينما تنبعث روائحُ كريهةٌ من المياه التي تحوَّل لونها إلى بنيّ. يقول الرجل الخمسينيّ بصوتٍ مبحوح: "كنتُ أشرب من هذا النهر وأنا صغيرٌ، أمّا اليوم فأخاف أنْ أبلّل يدي منه".
المشهد الذي يراه حسن ليس سوى الجزء الظاهر من كارثةٍ بيئيَّةٍ تُهدِّد أحد أهمِّ أنهار المنطقة. فتحت سطح المياه المتّسخة، تكمن مخاطرُ أكبر بكثير، مياه الصرف الصحيّ غير المعالجة، وارتفاع درجة حرارة المياه بسبب محطات التبريد الصناعيَّة، إضافةً إلى اختفاء نسبةٍ كبيرةٍ من الكائنات المائيَّة.
رمضان حمزة، الخبير في السياسات المائيَّة، يشرح بقلق: "التحاليل المختبريَّة أظهرتْ تركيزاتٍ خطيرةً للمعادن الثقيلة مثل الرصاص والكادميوم، تتجاوز الحدود المسموح بها عالميًّا بثلاثة أضعاف".
في أمانة بغداد، يؤكّد المتحدِّث الرسميُّ عدي الجنديل أنَّ هناك جهودًا محدودةً للتنظيف بسبب قصور الإمكانيات: "نقوم بحملاتٍ منتظمة، ونوفر حاوياتٍ للنفايات، لكنَّ المشكلة أكبر من طاقتنا". بينما تُؤكّد وزارة البيئة من جهتها أنها تُجري فحوصاتٍ دوريَّةً، لكنَّ النتائج تبقى حبيسة الأدراج في أغلب الأحيان".
أما في وزارة الموارد المائية، فيُشير مسؤولٌ رفض الكشف عن اسمه إلى معضلةٍ أخرى: "نعاني نقصًا حادًّا في محطات المعالجة، والميزانيات المخصَّصة لا تكفي لمواجهة هذه الكارثة".
في الوقت نفسه، تستمر المصانع في تصريف مخلّفاتها الكيميائيَّة، والمستشفيات في إلقاء نفاياتها الطبيَّة، دون أيِّ رادعٍ حقيقيّ.