كتب رئيس التحرير:
خير مناعةٍ يمكن أنْ تحوزها الدول ضدَّ الدكتاتوريَّة والطغيان هي الذاكرة القويَّة. فباستذكار الفواجع التي سبَّبتْها حقب الطغاة المظلمة وباستعادة مرارتها كلَّ حينٍ يكتسب الشعب بل الدولة بعامَّة مضادًّا حيويًّا فاعلًا يمنع من تكرار هذه الحقب أو الحنين إليها أو حتّى النظر إليها بحياديَّةٍ غير بريئةٍ يفتعلها عادةً أناسٌ لهم مصلحةٌ في إعادة عجلة الزمن إلى الوراء.
دولٌ كثيرةٌ أصابها زهايمر سياسيٌّ فأصبحتْ محكومةً بتكرار مآسيها دوريًّا، وما أنْ تخرج من حفرةٍ حتى تجد نفسها في أخرى أعمق. وليس هناك من منجى من هذه الدورة الجهنميَّة سوى تنشيط الذاكرة ورفدها بالوقائع المريرة التي كان الناس شهودها وشهداءها.
الحقبة الدكتاتوريَّة التي عشناها لنصف قرنٍ في ظلِّ حكم البعث، كانتْ هي الثقب الأسود الذي أضاع مقدرات العراق ونكّل به وطنًا ومواطنًا وجعل من العسف والاضطهاد ممارسةً سياسيَّةً تلقائيَّة، وفي آخر الأمر دفع العراق أثمانًا باهظةً للخلاص من هذا الكابوس الطويل.
الملفات التي نشرتْها "الصباح" من قبلُ "وننشرها اليوم وفي الأعداد اللاحقة أيضًا" عن كواليس الأجهزة الأمنيَّة الصداميَّة وحفلات الإعدام التي أقامها الزبانية بحقِّ خيرة أبناء العراق، ضروريَّةٌ وفي منتهى الأهميَّة لهذا الغرض، أي لتنشيط الذاكرة الجمعيَّة وإعادة شريط المحنة من جديدٍ لا لكي نُبرهن على إجرام البعث فقط، ولا لنعرف عمق الهاوية التي كنّا فيها وحسب، بل لأنَّ أجيالًا جديدةً في العراق بحاجةٍ ماسَّةٍ إلى التعرّف على ما قاساه آباؤهم ليظلّوا أحياءً.
قد لا نكون في الفردوس الآن، لكنْ انظروا في أيِّ جهنّم عشنا.