نرمين المفتي
تتسارع التحديات في كل مجالات الحياة في العالم كله لتزداد الحاجة إلى التجديد في الأفكار والحلول ولم يعد التمسك بالأساليب التقليدية في التفكير مجديًا. من هنا جاء مصطلح “التفكير خارج الصندوق”
كأداة محورية في خلق حلول غير مألوفة، وفتح أبواب الإبداع. المقصود بهذا المصطلح "التفكير خارج الصندوق)، الذي أصبحنا نسمعه كثيرا، هو التحرر من الأنماط الذهنية السائدة والنظر إلى الأمور من زوايا غير تقليدية. يمثل (الصندوق) هنا رمز للعادات، القواعد والقيود التي تشكل إطارًا مألوفًا أو معتادا للتفكير، ويعني الخروج منه البحث في أساليب أو آفاق جديدة لم تُجرّب بعد.
وقد لخّص عالم النفس والمفكر المالطي (إدوارد دي بونو) هذا المفهوم بقوله: “الإبداع هو كسر الأنماط المتكررة للنظر إلى الأشياء”. ونشير إلى مثلين لهكذا تفكير أحدثا انقلاباً في مجالهما وفي الوقت نفسه جلبا لأصحابهما اموالاً طائلة. الأول بدأ في الولايات المتحدة الأمريكية وهو مشروع (Airbnb) وهو منصة عبر الانترنت يربط المسافرين بالمضيفين المحليين. من ناحية أخرى، تتيح المنصة للأشخاص سرد مساحاتهم المتاحة وكسب دخل إضافي على شكل إيجار. من ناحية أخرى وتتيح المنصة للمسافرين حجز إقامة مع عائلة من مضيفين محليين، مما يوفر لهم المال ويمنحهم فرصة للتفاعل مع السكان المحليين. بدأت المنصة عملها في 2008 لتصبح ارباحها في 2017 حوالي 5 مليارات دولار ووصل سعرها السوقي إلى 31 مليار دولار ووصل عدد مستخدميها إلى 35 مليون مسافر والمنصة تعمل في 190 دولة حول. والثاني من الأردن، حين قرر اصحاب إحدى الشركات الزراعية زراعة الأعشاب الطبية وتصديرها بدل المحاصيل التقليدية، فحققت أرباحًا تفوق التوقعات. يقترح خبراء التنمية البشرية أن ندرب أنفسنا على هذا النمط من التفكير، من خلال نقاط عدة من بينها كسر التلقائية بمعنى أن لا نأخذ كل فكرة على أنها مسلّمة، وعلينا ان نسأل دائما إن كانت هناك طريقة أخرى لفعل الأمر نفسه. النقطة الأخرى هي تقبل الفشل ونؤمن ان الابتكار يأتي من التجريب الذي قد يفشل. واستخدام أدوات التفكير الإبداعي مثل (العصف الذهني) أو نظرية (القبعات الست) التي تتيح للذهن التقلّب بين زوايا نظر مختلفة. والنقطة الاهم ان نتعلم من الأطفال لكونهم يفكرون بلا قيود منطقية، ويميلون للربط الحر بين الأشياء، وهي قدرة نحتاج لاستعادتها وفي المخالطة الثقافية بمعنى السفر، قراءة الكتب والتفاعل مع مجتمعات متنوعة لتغذية الدماغ بأفكار غير معتادة. وفي العراق، البلد الغني بالثروات الطبيعية وغيرها والذي استمر اسيراً في اقتصاده القومي على النفط، نحتاج ان نفكر خارج الصندوق لفتح مجالات لواردات مالية كبيرة. وللمثال وليس الحصر: يملك العراق إرثا حضاريا كبيرا ويوصف عالميا بأنه مهد الحضارات وفيه شواخص معمارية ومواقع اثرية عديدة، فضلا عن امتلاكه لمواقع دينية كثيرة، وهذه الثروة الكبيرة غير مستثمرة
بالشكل الأمثل. والحل الذي من خارج الصندوق أن تنشئ الدولة بنية تحتية ذكية وسياحة رقمية وتطبيقات ذكية يمكن أن يُدخل مليارات سنويًا. وتطبيق تجربة الهند في الاقتصاد المعرفي من خلال دعم الشباب لإنشاء شركات ناشئة في البرمجة، الذكاء الاصطناعي، الترجمة والتعليم عن بُعد ويستطيع العراق أن يكون مصدرًا للخبرات التقنية للعالم العربي والعالم. وهناك افكار اخرى في تدوير المخلفات الصناعية والزراعية واستثمار الطاقة الشمسية وإنشاء قرى صديقة للبيئة ستجذب السياح من حول العالم في منطقة الأهوار.
ان التفكير خارج الصندوق ليس فقط أداة لحل المشكلات، بل هو نمط حياة يفتح الأبواب للتجديد. لا يكفي أن نمتلك الموارد، بل يجب أن نمتلك النظرة المختلفة لها.