الإعلام والشباب

آراء 2025/04/13
...

 أ.د. عبد الواحد مشعل


لا شك أن التحولات والتغيرات التي يشهدها المجتمع العراقي في المرحلة الحالية تطرح العديد من التساؤلات المهمة، أبرزها: ما هي المشكلات التربوية والأسرية التي يعانيها الشباب اليوم؟ وهل استطاع الإعلام أن يغطي ويطرح مشكلات الشباب بشكل واقعي؟ وإلى أين يسير الشباب وسط تزاحم الرسائل الإعلامية المختلفة التي يتلقاها يوميًا، بل كل لحظة؟ فضلًا عن تساؤلات أخرى تتصل بدور الإعلام نفسه وقدرته على فهم مشكلات الشباب الحقيقية والتعامل معها، فليس من السهل أن يقوم الإعلام بتغطية مشكلات الشباب بشكل مجرد، إلا من خلال فهم المتغيرات السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية المؤثرة فيها.

ينبغي أن ينظر الإعلام العراقي إلى مشكلات الشباب من زاوية تربوية، تعمل على بناء الشباب العراقي من خلال العمل المنظم الخاضع للدراسة العلمية، وأن يتولى الإعلام الخاص بالشباب، ولاسيما ما يتصل منه بإعلام وزارة الشباب والرياضة، التي يجب أن تفتح قنوات اتصال مستمرة مع وسائل الإعلام المختلفة، وبخاصة الفضائية منها، من أجل تعميق القيم الأخلاقية وتوفير الحماية الكافية لهم ضد كل أشكال الجريمة والانحراف السلوكي. ويمكن أن يتم ذلك من خلال مد الجسور مع الأسرة ومؤسسات المجتمع الأخرى، ليقوم الإعلام بدوره في هذا الجانب، وكشف مشكلات الشباب المعاصرة، والعمل على نشر ثقافة الحوار داخل الأسرة وفي المؤسسات المجتمعية الأخرى من أجل رفع قيمة الفرد الاجتماعية، وجعله أكثر رغبة بالانضمام إلى المنظمات والأندية الرياضية.

وفي هذا الإطار ينبغي أن يلعب الإعلام دورًا مركزيًا وأساسيًا في ذلك، فهو الوسيلة التي تجعل الشباب ينجذبون إلى تلك المؤسسات والأندية الرياضية، ولكن في المقابل ينبغي أن تتضافر الجهود الإعلامية والحكومية والشعبية في وضع خطة إعلامية ومجتمعية متكاملة من أجل الوصول إلى واقع جديد للشباب يتسم بالحوار والانضباط والالتزام بالقيم الدينية والاجتماعية التي تخلق أجواء مناسبة تساعد على نشوء جيل منتج قادر على تحمل مسؤولية بناء المستقبل وقيادة التنمية فيه.

وهذا يمكن أن يأتي من خلال الالتزام بمبادئ التخطيط المتعارف عليها، وأن يكون ذلك ملتصقًا بقيم المجتمع وحضارته، وأولى تلك المبادئ أن تكون الخطة الإعلامية والمجتمعية تتسم بالواقعية، بحيث تعكس الواقع الاجتماعي وتؤشر بشكل سليم على مشكلات الشباب المختلفة والأزمات التي يتعرض لها الشباب اليوم في مختلف المواقع.

ثم يأتي المبدأ الثاني، والمتمثل بالشمول، أي أن تكون الخطة شاملة، تنظر إلى قضية الشباب من جوانبها المختلفة، ابتداءً من الأسرة إلى المدرسة إلى المحيط الاجتماعي الذي يعيش فيه الشباب، ومعرفة حجم المشكلات التي يعانون منها، وإعطاء كل ناحية من معاناة الشباب وزنها الحقيقي إعلاميًا ومجتمعيًا.

ثم يأتي المبدأ الثالث، وهو التكامل، أي لا بد أن ينظر الإعلام إلى قضية الشباب من خلال الأنشطة الشبابية: الرياضية، الثقافية، الاجتماعية، الأدبية، الفنية وغيرها، بشكل متكامل، أي يكمل بعضها بعضًا، كما ينبغي ألا ينفصل ذلك عن الاهتمام بالجوانب النفسية والثقافية والاقتصادية والسياسية السائدة في المجتمع.

ليأتي المبدأ الرابع، وهو التنسيق، الذي يجب أن يقوم على مستوى عالٍ من المسؤولية في تنفيذ الخطة بحلقاتها المتعددة، وكذلك التنسيق مع كل الأطراف المهتمة بشؤون الشباب، ولاسيما الجامعات ومراكز الأبحاث، والاستفادة منها منهجًا ونظريةً، التي يمكن بها أن تكون الخطة الإعلامية والمجتمعية لرصد مشكلات الشباب ذات بعد علمي، قادر على وضع العلاج المناسب لها بالتنسيق المستمر مع صناع القرار، من أجل إصدار القوانين اللازمة لحل مشكلات الشباب.

ثم يأتي المبدأ الخامس، ليؤشر على قضية في غاية الأهمية، ألا وهي المرونة، التي يجب أن تكون حاضرة في كل خطوة من خطوات الخطة، لغرض إفساح المجال أمام الأفكار الجديدة كي تأخذ دورها في عملية البناء القيمي، كذلك إعطاء خطوات التنفيذ فرصة تقدير الظروف المستجدة والمتغيرة التي تحدث خلال تنفيذ برامج الخطة، لا سيما وأن المجتمع العراقي المعاصر يتعرض إلى تحديات العولمة وآلياتها وأدواتها الإعلامية المتطورة، كالبث الفضائي، والهاتف النقال، والإنترنت وغيرها، ما يجعل الشباب يمرون بمرحلة صراع القيم - إن صح التعبير - وهي مسؤولية إعلامية ومجتمعية تقع على عاتق المؤسسات الإعلامية العراقية والمؤسسات الاجتماعية، كالأسرة، والمدرسة، والجامعة، والمؤسسة الدينية، وغيرها.

ولا شك أن ذلك يتطلب استمرارية في المتابعة خلال تنفيذ الخطة، وهذا هو المبدأ السادس.