أربيل: رائد العكيلي
في إطار سلسلة ندوات نظمتها "مؤسسة المدى الثقافية" على أرض معرض أربيل الدولي للكتاب، ناقش خبراء ومتخصصون دور التقنيات الرقميَّة في الحفاظ على التراث السرياني، بوصفه ركيزة ثقافية وتاريخية غنية أثّرت في مسيرة الحضارات الإنسانية.
الندوة التي جاءت بعنوان "كيف يمكن للتقنيات الرقميَّة أن تسهم في الحفاظ على المخطوطات والنصوص السريانية بأسلوب أكثر تطوراً؟"، سلّطت الضوء على آليات توظيف التكنولوجيا الحديثة لضمان استمرارية هذا الإرث للأجيال المقبلة.
وأوضحت الإعلاميَّة فيحان شمعون أنَّ "التراث السرياني ليس مجرد أرشيف لغوي أو ديني، بل هو سجل حافل بالإبداع الفكري والمعرفي، انعكس على علوم الطب، والفلك، والفلسفة، والأدب".
وأكدت شمعون أنّ "التطور الرقمي فرض مسؤولية كبيرة على المؤسسات المعنية لتبني أدوات حديثة تحمي هذا التراث من الاندثار، وتجعله منصّةً للحوار بين الماضي والمستقبل".
من جانبه، أشار المطران مار ميخائيل الدمونيكي إلى أن الرقمنة (الدجيتايزن) تمثل تحولًا جذريًا في حفظ التراث عبر تقنيات سمعية وبصرية متطورة، مثل إنشاء أرشيف رقمي للمخطوطات والصور من ضمن نظام "الفوتوتيك"، الذي يُسهّل الوصول إلى المعلومات بدقة عالية.
وأضاف: أنّ المجتمعات التي تحافظ على أرضها ولغتها وإيمانها تبقى متماسكة، وحضارة وادي الرافدين -مهد اللغات - تُثري العالم اليوم بمئات البيانات الرقمية التي ستكون مرجعًا للأجيال المقبلة". كما استشهد بتجربة مركز المخطوطات في الموصل الذي تأسس عام 1990، الذي حوّل آلاف المخطوطات إلى نسخ رقمية، حفاظاً عليها من التلف والضياع.
بدوره، قدم الباحث والأكاديمي سامر صوريشو رؤيةً مستقبليةً لرقمنة التراث المادي وغير المادي، قائلاً: إنّ "الرقمنة لا تقتصر على المخطوطات، بل تشمل الآثار، والمباني التاريخيَّة، وحتى الأزياء التقليديَّة، عبر تقنيات مثل المسح الضوئي ثلاثي الأبعاد وإعادة الترميم الافتراضي". وأكد أنَّ "الذكاء الاصطناعي يمكنه فك رموز النصوص القديمة، وترجمتها إلى لغات حديثة، ما يفتح الباب لفهم أعمق لثقافة الحضارات السريانيَّة".
أما مدير المتحف السرياني برنارد يوسف فأشار إلى تجربة ناجحة في ترميم الكنائس ودور العبادة عبر استخدام الصور الأرشيفية الرقميَّة التي توضح التفاصيل المعمارية الأصلية، قائلاً: إن "التوثيق البصري الدقيق يساعد في إعادة البناء على وفق الهوية التاريخية، حتى بعد تعرضها للتدمير".
واختتمت الندوة بتأكيد المشاركين على أن الرقمنة ليست تقنيةً للحفظ فحسب، بل هي جسر يربط بين الأصالة والابتكار، إذ تتحول النصوص القديمة إلى منصات تفاعليَّة، والآثار إلى نماذج افتراضية قابلة للدراسة من أي مكان في العالم. وبذلك، يصبح التراث السرياني تراثًا إنسانيًا عالميًا، يحمي الهوية من الاندثار، ويبني حوارًا ثقافيًا مع المستقبل.