حسب الدراسات النفسية للموسيقى، وجدت هذه الدراسات ان الموسيقى لها ارتباط بالشعور الانساني، لذا فالسيكا مثلا غير النهاوند، وغير الصبا، وغير الرست، وهكذا.. ومقام هذه الانواع الموسيقية هو حركة الصوت المرتبط بالشعور، ومن هنا فالغناء حركة شعورية لها مديات، أي ابعاد، وهذه الأبعاد اضافة الى نقاء النفس تُعد المقياس الأساس للذائقة، ونحن نعرف ان الطبقات الصوتية تتناسل مع بعضها وتتفاعل مع طبيعة النفس الانسانية، لكي تنتج صورة لغوية موسيقية، هذه الصورة تشبه النحت، اواللوحة
الجميلة..
اذن الموسيقى ليست صوت فقط، فنحن نسمع أصوات الضرب والاحتكاك طوال اليوم، ولا يلحقنا ذات الأثر، ربما لهذا السبب تصوّر فريدريك نيتشه، الفيلسوف الألماني الأشهر، في كتابه “مولد التراجيديا”، أن الموسيقى هي شرط ترانسندالي سابق للغة، كذلك ربطها بما تعنيه “الإرادة”، بل ووضعها كصورة بدائية من وجودنا ذاته، وبذلك يكون التعرف إلى الموسيقى، بالنسبة لنيتشه، والتعرّف بها إلى العالم، هو تعرّف إلى ذواتنا، تكميل
لها!
(ولتقريب المثال نجد ان الصوت لحظة الغضب، ليس كما هو لحظة الحزن، وهو يختلف مع العاشق الذي يسعى لأن يعبر عن نفسه بطريقة ترتبط مع العاطفة)، وبالتالي يمكن اختيار لحن معين ضمن السلم الموسيقي بناء على اختبار الموجات الدماغية للمريض بموضعين: الأولى لحظة الغضب، والثانية لحظة الاسترخاء، وقياس ذلك بناء على التقبل الذوقي وبحسب جداول التصنيف الخاصة بالأمراض النفسية ودرجاتها، أضف إلى ذلك أن ما نعرفه عن منطقة جذع الدماغ يشرح سبب التأثر بالموسيقى، فهي كذلك المنطقة التي تتكامل وظيفيا مع الجهاز الدوري للجسم، القلب والأوعية الدموية
كذلك مع وظائف التحكم بالجهاز التنفسي، ومناطق الحس المسؤولة عن الانتباه، والتأهب، والوعي بشكل عام، حتّى إن أي تلف في تلك المنطقة يعني تهديدا مباشرا لحياتنا، وبذلك فقد يبدو مقبولا أن تقول التجارب على الرضع إن هناك تسارعا واضحا في معدلات سرعة القلب لدى الأجنة في باطن الأمهات مع استجابة حركية فور سماع موسيقى صاخبة، وينخفض المعدل إلى حدود دنيا مع تهدئة الصوت شيئا فشيئا
، ومن هنا ومنذ أبقراط وأرسطو والفارابي، ظلت الموسيقى ذلك البلسم، الذي يروي الروح وتطرب به النفس ويبهج له القلب
، فالرنّات العذبة والنغمات السامقة، التي ابتكرها مبدعو الموسيقى ظلت على مر العصور معيناً أزلياً أبدياً يهوي إليه كل فؤاد مكلوم، وتأوي إليه كل روح ظامئة أونفس عليلة، وإذا كانت الموسيقى بشقيها الطبيعي والصناعي قد أحالت الغالبية العظمى من مستمعيها العابرين إلى مدمنين دائمين
، فإن السؤال الذي يحير الباحثين المعاصرين الذين تخصصوا في الموسيقى باعتباره فناً وعلماً هو كيفية عمل أدمغة المبدعين خلال ابتكارهم لتلك المقطوعات والمعزوفات، وهذا السؤال عينه هو الذي دفع عالم الأعصاب والجراح تشارلز ليمب إلى إجراء سلسلة بحوث لدراسة علاقة الموسيقى بدماغ منتجها
ومتلقيها.