دقاتُ السَّاعة هي صوتُ الدّيك

ثقافة 2019/07/15
...

أمين قاسم الموسوي
(أغنية قديمة) هي قصة قصيرة من مجموعة (تراتيل .... العكاز الأخير) للكاتب محمد علوان جبر، وأظن أنّ باعث كتابتها هو ما قالته شاعرة أفغانية، فصادف قولها هوىً في نفس الكاتب، وحرّك ما في أعماقه من ترسّبات تلاقحت مع المعنى الانساني الذي قصدته تلك الشاعرة في قولها: 
“قالت...
تخاطب الديك الذي ذبحتْه قبل قليل: 
لأنّك لو لم تَصِحْ
لكان حبيبي لا يزال بين ذراعي”
هذه الومضة الشعرية الرائعة، أشرقت في نفس الكاتب، فأثمرت (أغنية قديمة) أنموذجاً من خير النماذج التي تجسّد فن القصة القصيرة، وهي هنا تكاد أن تكون قصيرة جداً، فهي شعرية اللغة بجملها القصيرة المكتنزة بالدلالات والانزياحات، وبقلة شخصياتها المكونة من جندي، في آخر يوم من أيام اجازته، وحبيبته، فالشخصيات محددة بشخصيتين فقط، والزمن محدد بساعة أو أقل قبل الصباح، واللغة جاءت مكثفة لتعبر بتركيز عما في داخل الشخصيتين، وتضيء ما ظهر وما كان في اعماق النفس، أي أن الكاتب، أضاء ببراعة بُؤر الخارج والداخل، ففي الخارج الظاهر كان “الثوب الملوّن المشدود على جسدها كان ناعماً مثل جسدها”، وفي الداخل غير الظاهر، ثمة انفعالات الأنثى بجسدها هذا الأسى في وجهها و”هالات داكنة تشبه الغيوم تظهر وتختفي في ألق عينيها”، وبما أن القصة بشخصيتين، فإنّ الانثى كانت هي الشخصية الاكثر تأثيراً، ولذلك جاء الفعل الذي هو بؤرة الحدث، صادراً عنها، وهذا أمر له دلالة سيميائية، يعبر عن معاناة أقسى من معاناة الذكر في مجتمع ذكوري، وعليه، فإنّ ردّ فعلها تجاه الفراق، فراق من تهوى هو الرد الاقوى: “قبل أن أعيد الكرَّة وأمد يدي نحو الباب جذبتني إليها بحركة عنيفة لم أعهدها فيها من قبل”، لاشكّ أن هذه الجَذْبَةَ كانت طلباً لممارسة الحب، نقيض الحرب، الحرب التي هي الخيط الرابط بين جميع قصص المجموعة القصصية، والانثى تحتج على زمن الحرب “أدرت وجهي ناحية الساعة لمعرفة الوقت، رغم نظرة الاحتجاج التي رأيتها واضحة في عينيها”، فالساعة رمز الزمن الذي لا يمكن أن يتوقف، وهي السارق الذي يسطو على أحلى لحظات التماهي الإنساني مجسّداً بممارسة الحب، لذلك نظرت الأنثى الى الساعة نظرة المسروق الى السارق، وكم سيكون رائعاً لو بَدَرَ من الانثى فعل تجاه الساعة (الزمن) السارقة، يجسّد الاحتجاج على زمن الحرب، الزمن الذي يسرق اللذات ويفرّق الجماعات، وقد كانت التفاتة الكاتب رائعة بالإشارة الى صوت الراديو المنبعث من بيت جارتهم، وهو يعلن بدءَ هجوم جديد، ثمّ تنطلق أغان خشنة يابسة، ومارشات عسكرية، كل هذا يحدث متزامناً مع لحظات ممارسة الحب، ليشير الى الفرق الهائل بين زمنين (الحرب والسلام).
بقي ما يجب أن يقال – حتى يكون النقد نقداً- عن ثريا القصة (عنونها) وهو (أغنية قديمة)، فإنّ القارئ لا يجد ربطاً بين هذا العنوان وبين ما في القصة، وهو لذلك لم يُضِئْ ما تمنحه الثريا في أي مكان تضاء فيه، كما وردت بعض الهفوات اللغوية – وهي شائعة عند كتابنا- كقوله : “هل نَفَذَ الوقت كلّه” و (نَفَذَ) في اللغة بمعنى (اخترق)، والصحيح (نَفِدَ) بمعنى (فَنِيَ أو انتهى) وهو ما أراده الكاتب ولعلّ الخطأ من أخطاء الطباعة وكذلك قوله: “ومن ثم انطلق، والصحيح حذف ( وَمِن) ، لأن المعنى المقصود هو العطف بـ (ثمّ)، وليس الاشارة الى المكان (ثَمَّ)، وهذه الهفوات اللغوية لا تقلل من مقدار الابداع، لكن التخلّص منها هو الأحسن والأحلى حتى يزهو حقل الابداع بِلا (دَغْلٍ) لا نفع فيه.