ما ان سمع جمهور سينما "الوطني" الواقعة في شارع الرشيد قبالة "الاورزدي" القديم، الممثل الأميركي إل جولسون ينطق بحوار متزامن - وهذه سابقة- في فيلم "ملك الموسيقى"، او " مغني الجاز" مثلما هو معروف عالميا، حتى ضج الجمهور الذي اكتظت به قاعة العرض، اذ ذهل بعضهم، وصدم البعض الاخر، فيما هرب اخرون هلعين تاركين " جراويتهم " وهم يرددون "انها علامات الساعة" فيما تمسك العقلاء منهم بمقاعدهم مهدئين من روع المذعورين
بالقول:
" يمعودين الولد دا يشخص"، هذا الحدث الفاصل في تاريخ السينما، شهدته بغداد في عيد الفطر المبارك، الموافق شباط في العام1931، على الرغم من كون السينما نطقت قبل هذا التاريخ، بفيلم " ملك الموسيقى"(1927)، قبل هذا التاريخ كانت الأفلام صامتة، والموسيقى تعزف في قاعة العرض لتغطي على ضجيج الآلات، ثم لمتابعة الاحداث قبل ان تصبح جزءاً من نسغ الفيلم وبنيته
السردية.
ويعد "ملك الموسيقى" للمخرج الاميركي ألان كروسلاند، أول فيلم ناطق بالكامل في العالم، قبل ذلك كانت ثمة تجارب لكنها غير متكاملة، ويعود الفضل في هذا الى شركة " الاخوة وارنر"، التي يقع مكتبها في بغداد فوق كازينو مجمع روكسي، جنبا الى جنب مع "مترو غولدن"، و" كولمبيا"، و" فوكس للقرن العشرين"، و"يونيفرسال" وغيرها، يومذاك كانت بغداد والبصرة والموصل محط تنافس شركات الإنتاج السينمائية العالمية والعربية، فهي سوق واعدة ونشيطة لتسويق افلامهم، حيث تصدى كروسلاند لمسرحية موسيقية مقتبسة من قصة للكاتب الاميركي سامسون رافايلسون، تحكي قصة شخص يهوى الغناء ويسعى الى احترافه، على الرغم من رفض اسرته المتدينة، فيهرب ويحترف الغناء ويصبح مشهورا، وفي ذروة نجاحه يأتيه من يخبره بمرض ابيه، الذي يخيره بين الغناء والعمل في الانشاد الديني، فيلجأ الى حل وسط؛ يحقق رغبة والده في الانشاد، ويؤجل عرضه المسرحي الكبير الى
يوم اخر.
والطريف ان الفيلم لم يكن ناطقا بشكل كامل، الا في دقيقتين من مجموع 89 دقيقة، اذ نطق البطل بجملته المشهورة: " انتظر لحظة، انتظر لحظة، أنت لم تسمع أي شيء بعد "، فيما "توزعت جمل حوارية غير متطابقة، أغان يؤديها الأبطال " فضلا عن أساليب وظفتها السينما الصامتة على شاكلة وسائل الايضاح المكتوبة، نجح "ملك الموسيقى نجاحا غير مسبوق وحقق أرباحا هائلة، فبلغت أرباحه 5 ملايين دولار، وحصل على اوسكار تكريمية، لأنه: " أحدث نقلة في صناعة السينما " في اول حفل لهذه الجائزة الشهيرة في
العام 1929.