وجدان عبدالعزيز
التعايش بين أبناء المجتمع، وبناء الهوية الجامعة له لا يمكن أن يظل أمرا ثانويا، في ظل عملية التفتيت الى جماعات وهويات متشظية، واوضاع التخلف في كل مناحي الحياة.. اذن الاصرار على ترسيخ الهوية الوطنية الجامعة صار مطلبا لكل مسارات السياسة والاقتصاد ومطاليب الشعب في العراق!، حيث عانى الشعب العراقي عبر تاريخه الحديث من اختزال معركة الاصلاح السياسي مع النخب الحاكمة، وبقي يعاني حتى في ظل التغير الديمقراطي بعد سقوط الصنم في 4 /9/ 2003 م، ومهما قلنا عن تورط النخب الحاكمة في خلق وإدامة المشكل الاجتماعي المتعلق باللعب على تناقضات الجماعة الوطنية، فإن ذلك لا يُعفي النخب المعارضة من السعي لخلق الاندماج الاجتماعي، وإذا كانت هذه الأنظمة قد استطاعت أن تعرض النسيج الاجتماعي للتمزق والتشظي، فإن الأحزاب السياسية ككيان اجتماعي ومنظمة سياسية تستطيع أن تسهم في إعادة تركيب وبناء الهوية الوطنية، وهذه إحدى مسؤولياتها التاريخية.. ويبدو انها عجزت في الساحة السياسية عقب سقوط الدكتاتور!، لماذا؟، كونها احزابا سمحت للفاسدين ان يتوغلوا في صفوفها ويتقلدوا مناصب رفيعة، وبالتالي حولوا هؤلاء الفاسدين المناصب والمؤسسات الحكومية الى بؤر للتخريب الاقتصادي، وفي النهاية لتخريب النسيج الاجتماعي والنفسي للمواطنين، ما جعل الخطاب الاستقطابي المتعلق بإسلامي/ علماني وبين الخطاب السياسي اليومي، الذي يختزل مهمات النضال السياسي في المواجهة مع النخب الحاكمة على أرضية الحريات والمشاركة السياسية والفساد، وبالتالي ضاع الخطاب السياسي واختفت البرامج الجامعة، فالخطاب الذي تُثوِّره العداوات الأيديولوجية، يتصاعد غبار معاركه يوما بعد يوم، ويكاد يُغطي على عملية الإصلاح السياسي، والخطاب السياسي الجامد، الذي يتجاهل المشكلات الاجتماعية القيمية ومشكلات الانكفاء القبَلي كردة فعل على تلاشي الدولة، هو أيضا خطاب اختزالي رغم احترافيته الظاهرة..
فكل الظن على القوى التغييرية علمانية وإسلامية ان تُولي الإصلاح السياسي أولويته وتسعى إلى خلق وعي بالدولة اولا، وتشكيل هوية للجماعة الوطنية العابرة للانتماءات القبلية والجهوية والإثنية ثانيا، وتحمي القيم الأخلاقية والدينية المشتركة ثالثا.. وان تكون في مواجهة قوى الفساد والإفساد الصريحة أياً كان موقعها وأياً كانت راياتها، فالتكفيري المُقصي والعلماني المتطرف، ورجل السياسة، الذي يحترف الاعتياش منها، والعشائري كلهم ينتمون إلى معسكر الإفساد، وهو معسكر تلزم مواجهته على أرضية الإصلاح السياسي أو أرضية الدفاع عن الهوية الوطنية الإسلامية الحضارية الجامعة، والأهم من هذا أن القوى السياسية المؤتلفة تفتقد الرؤية الموحدة تجاه القضايا الأساسية، وتتناقض في آمالها وطموحاتها ومساعيها في الاستحواذ والهيمنة، مما خلق خللا في التوازن الذي يطالب به بعض أطراف العملية السياسية، وهي حالة يصعب الوصول إليها في ظل صراع المصالح والإرادات وتباين الأهداف والمواقف إزاء معظم القضايا المطروحة على الساحة السياسية، ومما يزيد الأمر تعقيدا هو شدة المشاحنات والمواجهات
والمناكفات بين أركانها، ما يدفع بعض أطرافها بالهجوم وإتهام الآخرين بمحاولة الاستحواذ والسيطرة على السلطة التنفيذية والاستفراد بقراراتها، ولا يوجد اتفاق وأتلاف الا بعيد الانتخابات، ثم سرعان ما ينفك عرى هذا الاتفاق، لكن الرؤية تنفتح بحب امام توحد الشعب العراقي وانتصارات جيشه وحشده الشعبي وكل قواه الوطنية وانفتاح العالم على قضية العراق في القضاء على الارهاب.