وأنا أبحث في خزائن مكتبتي عن وثيقة تخص الإنتاج السينمائي العراقي في أربعينيات القرن الماضي، وقع في يدي كتيب منزوع الغلاف، صغير في حجمه كبير في معناه، والطريف انه ملحق نصف شهري لمجلة "فنون" الصادرة مطلع ثمانينيات القرن الماضي، فوجدت فيه ما اريد، اذ افرد فصله الثالث لاقتصاديات السينما العراقية، لاسيما تمويل أفلام القطاع الخاص، الذي أنتج 48 فيلما في الفترة المحصورة بين 1945 الى 1975، فمن المعروف ان انتاج الأفلام بدا بتأسيس شركات مشتركة مصرية عراقية، ما شجّع تجارا وأصحاب رؤوس أموال عراقيين للدخول في هذ المضمار، واستثمار أموالهم في بناء دور عرض سينمائية جديدة وتأسيس مكاتب استيراد وتوزيع الأفلام، وكان الحدث الأهم، هو تأسيس عائلة سودائي وشركاؤهم استوديو بغداد، الذي افتتح موسمه بفيلم "عليا وعصام" (1948) للمخرج الفرنسي اندريه شوتان، الذي يعد الأهم في تاريخ السينما العراقية، ليس لريادته وحسب، انما لتحقيقه أرباحا ونجاحا معتبرا، لاسيما أنّ صنّاعه معظمهم عراقيون
، عدا المخرج والمصور، وانتج الاستوديو فيلمين اخرين لم يحققا ذات النجاح، ثم تلاحقت خسارات المستثمرين، - خصوصا اليهود - فسحبوا أموالهم وصفوا ممتلكاتهم، ولم يتبق سوى قلة من المنتجين وصناع سينما هواة، انتجوا أفلاما لم تكن ذات أهمية، عدا قلة لا تكاد تعد على الأصابع
، ويلفت الكتاب النظر الى واحد من اهم أسباب تعثر صناعة السينما في بلادنا، هو الشروط التعسفية التي فرضها الممولون في خمسينيات وستينيات الى منتصف السبعينيات القرن الماضي، والتي "تقضي بتسجيل ملكية الأفلام بأسمائهم على ان يدفعوا للمساهمين القيمة الاسمية للاسهم بعد استرداد المبالغ التي انفقوها على تكملة الأفلام"، ليس هذا وحسب، انما وجود تشريعات عرقلت الإنتاج السينمائي اخطرها، تصنيف السينما كوسيلة لهو تخضع لضريبة رسوم الملاهي وفق احكام القانون رقم 26 لسنة
1940، الذي نص على " ان يكون اجمالي الضريبة المفروضة على البطاقة السينمائية 4 ,54 % بمعدل سعر البطاقة 170 فلسا"، وهي نسبة عالية جدا لاسيما ان تلك الأفلام لا تنافس الأفلام الأجنبية والعربية، ما جعل الممول يتردد كثيرا ويفرض شروطا قاسية، الى حد ان مالك السينما كان يستقطع حصته مقدما، سواء نجح الفيلم ام فشل، وهذا ما يطلق عليه بـ
"الكرنتي".
وهذا ما حدث الضبط مع شركة سومر، التي غامر أصحاب شركة سومر بأنتاج "نبوخذ نصر"(1962)، وهو اول فيلم عراقي ملوّن، اذ "دفعت الشركة المنتجة 200 دينار كضمان لمالك سينما النصر عن عرضه لمدة أسبوع، فشل الفيلم ولم يحقق ربع كلفة انتاجه، فخسرت الشركة وممولها الرئيسي حبيب الملاك خسارة فادحة، وكادت تطيح بمستقبله المالي لولا حنكة الرجل وفطنته.