المصالحة طريق لردم التصدعات لتحقيق العدالة

العراق 2019/07/23
...

أحمد الشطري
يشكل مبدأ المصالحة والتسامح دعامة قوية في بناء المجتمعات المتعددة الإثنيات، وخاصة تلك المجتمعات التي تخرج من دوامة الحروب والانظمة المستبدة وهيمنة القوى الخارجية، إذ تتيح فترة الفراغ الانتقالي مساحة لتصاعد التوترات والتجاذبات المختلفة التي تسهم في تحريك رواكدها الايدي المنتفعة سواء من داخل المجتمع ذاته او من خارجه، ولذا فان عملية ردم التصدعات الناتجة عن ذلك تصبح مطلبا اساسيا لا غنى عنه اذا ما اريد للمجتمع ان يكون موحدا متراصاً خاليا من الضغائن، يسير بخطى ثابتة نحو بناء مستقبل عامر بالسلام والامن والرفاهية.
ولذلك يجب ان تكون المصالحة منهجا عمليا يترسخ وفق قوانين وانظمة في المجتمع الواحد ليكون خارطة طريق بين المختلفين فكريا وعقائديا، ويُبني على مبدأ احترام الانسان وتحقيق العدالة بكل اشكالها سواء على صعيد الحقوق ام 
الواجبات. 
ان من اهم الاسس التي تبنى عليها وتترسخ مبادئ المصالحة هي الرعاية التامة للدولة الابوية لمختلف فئات الشعب، والسعي الجاد في الابتعاد عن المصالح الفئوية التي تشكل عاملا مغذيا للصراعات، ولذا فان من الواجب الحتمي ابعاد القوانين المنظمة للمجتمع عن شطحات الامزجة المتقلبة واملاءات المصالح الانية للقوى الفاعلة. 
ان ترصين البناء الذي يستند عليه السقف الجامع للمجتمع لن يكون مستقرا وقويا باتباع عمليات الترقيع والترميم الشكلي، بل يجب ان يتم الترصين عبر رصد وتحديد المواطن الرخوة، وتطويق منافذ توسعها، ومن ثم تكثيف المساعي لإزالة مكامن الضعف فيها؛ ليتم تعزيز وتمتين البناء الداخلي بشكل سليم يتيح للسقف
الثبات الدائم، والتخلص من التغطية المتأرجحة القابلة للانهيار امام الرياح والعواصف
العابثة.
ولعل من بين اهم العوامل المساعدة في انجاح عملية المصالحة هي الانطلاق الجدي المرتكز على النوايا الصادقة التي تجمع بين الجانب التنظيري والجانب 
العملي.
ان اقتصار المسعى على الجانب الشعاراتي او التنظيري او الشكلي لا يمكن ان ينتج عملية مصالحة حقيقة قائمة على ارضية صلبة ما لم يرافق ذلك فعل قائم على الصدقية المحضة المنبثقة عن قناعة تامة بضرورة التخلص من تبعات الماضي وتوجيه النظر نحو المستقبل، غير ان ذلك يجب ان يسير بخطى حذرة لا تؤمن بحسن الظن الكامل ولا تتلكأ بسبب المخاوف المتولدة من سوء الظن وتزعزع 
الثقة.
ان عملية المصالحة فعل شجاع يحتاج الى الثقة العالية بقوة ورصانة الانظمة التي تسير مثل هكذا عملية؛ ولذا فان اهم الاشتراطات التي تضمن نجاحها الآني والمستقبلي هو توفير القوانين التي تتيح لعملية المصالحة التطبيق الجدي المستند الى رغبة صادقة ورؤية مستقبلية بعيدة المدى، لا تتأثر بسوداوية الماضي ولا بآنية المصالح الفئوية 
الضيقة.