أطياف متعايشة.. شواطئ أمان

العراق 2019/07/23
...

نبأ باسم
مفتتح
تشير المادة الأولى من ميثاق الأمم المتحدة الى ان أهداف الأمم المتحدة هي المحافظة على السلام والأمن الدولي، واتخاذ تدابير جماعية فعالة من أجل منع وإزالة التهديدات التي تهدد السلام ومنع أعمال العدوان، والامتثال لمبادئ العدالة والقانون الدولي، وحل النزاعات الدولية التي قد تؤدي إلى انتهاك السلام. وتطوير العلاقات الودية بين الأمم التي تستند على احترام مبدأ الحقوق المتساوية وتقرير مصير الشعوب، واتخاذ الإجراءات اللازمة لتعزيز السلام العالمي.
1
الشريعة الإسلامية تؤكد أهمية تعزيز السلم في المجتمع البشري وخاصة في العلاقات المجتمعية والوطنية والخارجية. ويعتبر الإسلام التعايش السلمي هو القاعدة في العلاقات الوطنية والدولية. وهناك العديد من الآيات القرآنية التي تؤكد ذلك المبدأ، كما انها ترفض الإيمان بالإكراه والقوة. مثل : “ لا إكراه في الدين”، و “ ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعاً، أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين “.
فالسلم المجتمعي والعالمي هو هدف إسلامي، حيث يمكن تهيئة الأجواء لإرساء علاقات ودية مع الآخرين ، “ وإن جنحوا للسلم فاجنح لها، وتوكل على الله  إنه هو السميع العليم “ وقوله تعالى:  “ يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة، ولا تتبعوا خطوات الشيطان، إنه لكم عدو مبين”  وربما لا تستقيم لنا الحياة التي نريد بدون التعايش بين الأديان والاقليات، وإذا لم نحدد مفهوم التعايش اصطلاحاً ومعنى، باعتبار أن التعايش هو المحورُ الرئيس للعيش بسلام وآمان.
 
2
بعد نيسان 2003 توفرت فرصة نادرة تاريخية لإعادة تأسيس الدولة العراقية التي اسست على التمييز الطائفي على مدار تاريخه الحديث من خلال وجود دستور يضمن حقوق الانسان وحرياته فضلا عن حقوق الاقليات التي ضمنها القانون الاساسي والتي ستكون منطلقا لعراق تتعايش فيه قومياته واطيافه في مناخ التآخي والوئام ويتخلص البلد  من أكثر الموروثات السياسية سوءا، من خلال خلق نعرات تثير الاحقاد في صفوف المكونات الاجتماعية وتخلق اجواء الاحتراب الداخلي ما يضر بمسيرة وتقدم الشعب وهنا لابد من التذكير بان القانون سيصبح ورقا على حبر ما لم يدعم بآليات تخرجه الى حيز الوجود مثل كثير من المواد الدستورية الصورية السابقة وفي الحقيقة ان القضايا الوطنية تحتاج الى عمق الرؤية والوعي واستخلاص النتائج والعبر من التاريخ العراقي الحديث والمعاصر. 
 
3
التنوع في الطبيعة ملمح من ملامح الجمال، ولذلك فان تعدد الاعراق والطوائف في النسيج الاجتماعي هو من دعائم القوة وليس الضعف وعليه فان اقليات النسيج العراقي تتعايش في ما بينها بروح العائلة الواحدة وعندما يضع المواطن انسانيته وعراقيته فوق سقف الولاءات الاخرى فانه سيصبح مشروعا دائمياً للتعايش البناء مع الآخرين من اجل عراق آمن قوي مستقل. وبتقديري ان هذا الموضوع هو من المواضيع الساخنة والمطروحة الان على الساحة السياسية، والمؤثرة في ميزان القوى بين الاطراف، وبشكل جدي على توجهات مجمل القوى الديمقراطية واليسارية، رغم ورود بعض الدعوات الخجولة المضللة بواجهات وشعارات ديمقراطية من قبل هذه الجهة او تلك الغاية منها تفويت الفرص على المطالبين بها، وهي جهات مشخصة سلفا طائفية وعنصرية متزمتة لا تؤمن اساسا بالديمقراطية نهجا للحكم وذلك عبر برامجها المعلنة ووسائل اعلامها وعلى ألسنة قادتها والناطقين 
باسمها.
 
4
ايضا ارى ان المشكلة الرئيسة في بلاد العرب والشرق بشكل عام هي حالة التخلف التي تضرب اطنابها في الاكثرية، وهذا هو ما يجعل المسائل الجزئية تأخذ الاولوية على المسائل الرئيسة. الانسان هو الانسان وخلق الله ان كان اصفر او احمر او ابيض او اسود، لهذا فان تعايش هذه الامم مسألة لا يختلف عليها اثنان من الواعين والمدركين بانها لا اساس لها امام عظمة خلق الانسان، ومعطيات الحديث عن القوميات والطوائف والاقليات حملتها افكار وآراء المستعمرين الذين يهمهم سلب الشعوب وحدتها وقوتها وامكانية نهوضها، وان تبقيهم تحت سيطرتها الرأسمالية بإيجاد مختلف المشكلات التي تشغلها عن نضالها ضد الامبريالية ومضطهديها وسالبي اراداتها وثرواتها. ونحن كمثقفين من واجبنا ان نجعل من العراق آنية ورد متنوعة لجميع قومياته وأطيافه، ولا يمكن لأية قوة ان تنتزع هذا الرونق من روحيته.
لقد منح العراق الحقوق في الدستور لكل الأقليات وهذا يعني خلق عراق متطور متقدم مزدهر لان الموضوع العلمي الذي يحكم الانسان انه ذو بايولوجية واحدة ومن هذا المنطلق، فالأنساب لا فرق بينها، لا فرق بين عربي وكردي ومسيحي وايزيدي وصابئي الا في العمل والاخلاص للوطن في حق المواطنة ويعتبر هذا الحس هو الانتماء للعراق الواحد اما الانتماءات الثانوية، فيحق للإنسان ان يمارس حقه كما يؤمن به على ان لا يؤثر في الآخرين ولا يعتبر انتماءه الثانوي هو احسن من الانتماءات الاخرى بهذا الشعور يمكن ان نصل الى عراق حر ديمقراطي متعايش.