بغداد/ ابتهال بليبل
أطلق الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق (منتدى أدب الطفل) لأهمية دور الطفل في المجتمع العراقي، وبوصفه أيضا مشروعاً لازدهارالثقافة المجتمعية وبرامجها، وذلك من خلال الاهتمام بتعليمه ومعرفته عبر إقامة الندوات والأمسيات الثقافية والفعاليات التي تعنى بالقراءات الشعرية، والحكايات، والعروض المسرحية، وعروض الدمى، وكذلك استضافة المتخصصين والمنتجين في مجال الأطفال.
كما وقد تشكلت الهيئة التأسيسية للمنتدى من رئيسه الفنان د. حسين علي هارف، وعضوية كل من الأديب (طلال حسن، جعفر علي جاسم، جليل خزعل، جاسم محمد صالح، حسن موسى، فاضل الكعبي، قاسم سعودي، د. زينب عبد الأمير، محمد كاظم، حسين البعقوبي، مروان عادل
حمزة).
ربما جاءت هذه الخطوة لانتشال أدب الطفل الذي تعرض لسنوات خلت، إلى تهميش بعض المفاهيم ذات العلاقة بشخصية طفل الانترنت والهواتف الذكيَّة، إذ لم تهتم توجهاته بسخرية الطفل من القصص والحكايات المكتوبة، بل وحتى القصائد المعنية به، لأنَّ أفكارها –ببساطة- قديمة وغير مبتكرة، وفق اعتراف الكثير من النقاد المعنيين بهذا الجانب، كما أنَّ أغلبها لا تأخذ بالاعتبار الأحداث العامة والمصيرية في المجتمع العراقي وتأثيرها في سلوك الطفل..
يقول حازم عادل، وهو طالب في مرحلة الثالث المتوسط: إنَّ والده الذي يعمل تربوياً دائماً ما يشجعه على ممارسة القراءة ومطالعة الكتب الورقية، ولكن حازم يرفض الانصياع لرغبته، لأنه لا يستمتع بوقت القراءة مثلما يستمتع بمتابعة شبكة الانترنت.
في الوقت ذاته، تقول سارة حامد، وهي طالبة في مرحلة الإعدادية، بأنها من عشاق قراءة المجلات والكتب التي تحوي قصصاً عالميَّة، ولا تفضل المحليَّة لتواضع أفكارها، كونها لا ترتقي لما يعرض ويبث عبر القنوات الفضائيَّة وشبكات الانترنت.
غياب التخصص
يقول الناقد الدكتور نصير جابر: "على الرغم من أنَّ العراق من الدول الرائدة في أدب الطفل وقد كتب فيه كبار الأدباء، لعلَّ من أقربهم إلى الذهن، عبد المحسن الكاظمي (1871م - 1935م) وجميل صدقي الزهاوي (1863م -1936م) ومعروف الرصافي (1875م - 1945م)، وغيرهم كثر، فضلاً عن ظهور مطبوعات متخصصة فيه، إلاّ أن هذا الأدب تتعثّر خطاه دائما بعقبات كأداء، لعلَّ من أدقّها هو عدم وجود تخصص في هذا الأدب، فغالباً ما يكون على هامش النتاج الرئيس للأديب، أي أنه يكتب وكأنه حالة عابرة ضمن التجربة، وهذا جعل التخصص فيه من أندر التخصصات، ومن ثمّ يكون في أغلبه مجرد مغامرة عابرة".
فقليلاً ما نجد قصصاً للأطفال لا تهيمن على مضمونها النصائح الكلاسيكية بشكل بارز. بينما تجد القنوات الفضائية وشبكات الانترنت تقدم عبر أفلام الكارتون والمسلسلات الأجنبية، فضلاً عن مقاطع الفيديو، مختلف القصص الحديثة التي يتأقلم الطفل المتابع تدريجياً معها، هذا إذا أخذنا تأثير التطور التكنولوجي الحاصل، فيما لو حاولنا مقارنة المطبوعات الأجنبية المعنية بالطفل بالمطبوعات المحليَّة سنصاب بالإحباط، إذ تشكل القصص المصورة القريبة من الحياة الواقعية تفاصيل لا تنتهي.. وهو ما يسميه جابر بالعقبات المهمة، إذ يرى سقوط هذا النوع من الأدب في دائرة الوعظ المباشر والنصائح الجاهزة، ما يفقده عمقه، إنَّ أدب الطفل من أصعب الآداب ولعلَّ أبلغ ما يمكن أن نستشهد به في هذا المقام ما ينسب للكاتب الكبير (صموئيل بكيت) الذي قيل له لماذا لا تكتب للأطفال فقال: (لأنني لم أنضج
بعد).
تثقيف الطفل
ويعلم الناشرون ودور الطبع وأصحاب المكتبات تلك الأفكار، خاصة أن أغلبهم يرى أنَّ تسويق الكتب المعنية بالطفل مهمة صعبة. وهو ما أكده صاحب مكتبة تعنى ببيع القرطاسية واللوازم المكتبية توفيق عبد السلام، ويقول: "الأطفال لا يقرؤون
الكتب".
وفي توجّه مماثل، شخصت الكثير من المؤتمرات والجلسات الثقافية والندوات ما يحدث لعوالم الطفل العراقي باعتباره غير منفصل عما يحدث في المجتمع من صراعات وسياسات، كما أنَّ سلوك الطفل يتحدد من خلال أوضاع بلده سواء كانت مستقرة أو غير مستقرة.
وقد لخصت دكتورة القانون الجنائي شذى العبيدي معاناة الطفل بهذا الشأن عبر ندوة ثقافية نظمتها دار ثقافة الأطفال عن الإرهاب وآثاره الفكريَّة والنفسيَّة والاجتماعيَّة في الأطفال بعدم الاهتمام بثقافته وأفكاره وخاصة في القراءة والتعلم والمعرفة، وكل ما يقدم لتثقيف الطفل أساليب قديمة ولا يتماشى مع التطور المتسارع في العالم.
أنظمة التعليم
وفي الحقيقة، يقول الناقد وجدان عبد العزيز: إن "أدب الطفل من الفنون الأدبيَّة، التي تستعمل أساليب مختلفة من النثر والشعر، والمؤلفة خصيصاً للأطفال دون عمر المراهقة".
وقد كانت بداية أدب الأطفال قائمة على الأدب الشعبي المليء بالحكمة والتسلية والذي يجمع بين الحقيقة والخيال، ومعظم المبدعين الأوائل في قائمة أدباء الأطفال كانوا من معدي أو جامعي الحكايات الشعبية، وتطور هذا النوع الأدبي في القرن السابع عشر في أوروبا، وأخذ يزدهر في منتصف القرن العشرين مع تحسين أنظمة التعليم في جميع أنحاء العالم، ومن المعلوم أن أدب الطفل لم يظهر في العراق بشكل حقيقي وفعال إلا في أواخر الستينيات من القرن العشرين بصدور مجلة" مجلتي". وبعد ذلك، اتبعت هذه الصحيفة بجريدة "المزمار" التي كان لها صيت كبير على مستوى الداخل
والخارج.
وإذا أخذنا في الاعتبار أن هناك من الاطفال من يقبل على القراءة، فإنهم يعانون من حركتي المد والجزر في تطور أدب الطفل، لأنه يخضع ويتماشى دوماً حسب الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
ورغم ذلك، يوضح عبد العزيز: "لقد سار أدب الأطفال في العراق عبر مجموعة من المسارات الفنية والجمالية: كمرحلة الترجمة، ومرحلة الاقتباس، ومرحلة التأليف، ومرحلة التجريب، ومرحلة الإبداع، ومرحلة التأصيل".