مخاوف من الوقوف ضد {رفع حصانة» المتهمين

العراق 2019/07/24
...

بغداد / هدى العزاوي
 
أثارت مطالبة رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي فائق زيدان مجلس النواب برفع الحصانة عن أعضائه "المتهمين بقضايا فساد" أثناء توليهم مهام تنفيذية جدلاً بين الاوساط السياسية والنيابية في كيفية استجابة رئيس المجلس لهذا القرار، الذي قوبل بترحيب عبر عنه مشرعون وقانونيون، اكدوا اهمية هكذا توجهات للحد والقضاء على ظواهر الفساد اينما حلت.ويقول النائب عن كتلة الحكمة النيابية جاسم موحان البخاتي: إن الثقافة الشائعة في حياة الاحزاب السياسية في تصديها للمسؤولية "التستر على الفاسدين والحرص على عدم مثولهم امام القضاء لمحاسبتهم" وهذا ما اثر بشكل سلبي في الواقع العام للعراق وتردي الخدمات فضلا عن استشراء حالات الفساد الاداري والمالي بين الاوساط السياسية.
وأضاف البخاتي، في حديث لـ"الصباح"، ان قضية التستر على الفاسدين ما زالت سارية المفعول بين الكتل السياسية منذ اربع دورات تشريعية، مبيناً أن الذين يقفون ضد هذه القرارات أو المطالب التي يمكن ان تعيد ثقة المواطنين بمجلس النواب هم أكثر الأصوات التي تنادي بملاحقة الفاسدين والحرص على العراق، على حد قول النائب.
ويؤيد البخاتي ادراج طلب رفع الحصانة ضمن جدول اعمال البرلمان للتصويت عليه ومثول المتهمين أمام القضاء ولاسيما ان اغلبهم متورط بقضايا فساد واستخدام المنصب بشكل مسيء للمواطنة الحقيقية، موضحاً أن قرار ادراج هذا الطلب خاصع لمزاجيات بعض الكتل السياسية والمواطن ليس بعيداً عن المشهد السياسي وليس بعيداً أيضا عن المتهمين بقضايا تمس الصالح العام.
 
قرارات مصيرية 
وكان رئيس مجلس القضاء الاعلى القاضي فائق زيدان، قد شدد في بيان، على "ضرورة تقديم الخدمات للمواطنين وإحالة القضايا البسيطة على جهات التحقيق الأخرى لفسح المجال لهيئة النزاهة والقضاء المتخصص بنظر قضايا الفساد والتفرغ للقضايا المهمة فقط"، مناشداً " الجهات الساندة كافة إبداء التعاون مع القضاء وهيئة النزاهة لتقديم المتهمين بقضايا الفساد إلى المحاكم ومنها مجلس النواب لرفع الحصانة عن النواب المطلوب رفع الحصانة عنهم من المتهمين بارتكاب جريمة فساد إداري أثناء عملهم في المجال التنفيذي وكذلك الوزارات والجهات غير المرتبطة بوزارة في سرعة إنجاز التحقيق الإداري المطلوب في الحالات التي تستوجب ذلك". 
وطالب زيدان بـ"سرعة الإجابة عن أسئلة هيئة النزاهة والقضاء في حال الاستفسار عن الأمور المتعلقة بالقضايا المعروضة على المحاكم".
وعن هذا الشأن، طالب النائب عن الحزب الديمقراطي الكردستاني الدكتور احمد الصفار الاحزاب بعدم الدفاع عن العناصر الفاسدة واحالتهم على القضاء، وذلك لان حصص كل كتلة معروفة وثابتة، فاذا خرج نائب سيأتي اخر من الحزب نفسه، متسائلاً: لماذا التستر على الفاسدين من قبل بعض الاحزاب؟!.
ويؤيد الصفار، في حديثه لـ"الصباح"، فكرة ادراج طلب رفع الحصانة عن النواب الذين احيلت اسماؤهم من قبل القضاء الاعلى في جدول الاعمال للتصويت عليه،  واجراء التحقيق اللازم، فاذا ثبتت الادانة يتم اتخاذ الاجراءات القانونية العادلة بحقهم، واذا ثبت العكس يعود النائب الى المجلس مرفوع الرأس خاليا من اي اتهامات او شكوك تذكر، وبالتالي فنحن ننتمي الى كتل هي التي تصدر التعليمات الاولى للتشريع".
 
آلية رفع الحصانة 
وفي ما يخص آلية رفع الحصانة عن بعض النواب المتهمين بقضايا فساد اثناء توليهم مناصب تنفيذية، يوضح عضو اللجنة القانونية حسين العقابي، لـ"الصباح"، أن طلب رفع الحصانة يقدم من قبل القضاء الاعلى الى المجلس الذي بدوره يضعه على جدول الاعمال للتصويت عليه اثناء الفصل التشريعي، واثناء العطلة التشريعية يصوت عليه بقرار من رئيس المجلس.
ولفت العقابي الى ان المجلس سيكون محرجا في ما يتعلق بادراج الطلب في جدول الاعمال وذلك لان بعض الاحزاب هي من تقاضي اشخاصها او غيرهم.. اما اذا كانت المسالة شفافة ومعلنة امام المواطنين، فحينها تُستعاد الثقة بين المواطنين وممثليهم، مبيناً أن المجلس حين يسوف هكذا قضايا ذات بعد قضائي مسنود بطلبات رسمية واصولية والمبدأ الدستوري القانوني ويماطل بها سيكون الامر مخزيا بحق السلطة التشريعية وهو أمر غير مقبول ولا يمكن أن نرتضيه. 
وبحسب قناعاته الشخصية يؤكد العقابي انه في حال وجود طلب قضائي وفق السياقات القانونية والدستورية ومعروض على جدول الاعمال فانه سيستجيب له وذلك لأن "المسألة اخلاقية ودستورية وقانونية خاصة ونحن نشكو من فساد مالي واداري من السلطة المستقلة لذا المجلس يجب ان يكون عند حسن ظن المواطن في تطبيق الدستور وفق القانون".
 
الموقف القانوني
من جانبه، شرح الخبير القانوني طارق حرب الية رفع الحصانة، وقال، لـ"الصباح": إنها "تتمثل بمفاتحة محكمة التحقيق المختصة او محكمة التحقيقات الجنائية لرفع الحصانة عن بعض النواب، بالتالي تفاتح رئاسة القضاء الاعلى التي بدورها تقدم طلبا الى مجلس النواب ليكون امام رئيس المجلس خياران اما عرضها امام المجلس للتصويت عليها او عدم عرضها".
وأضاف حرب ان رفع الحصانة لا يتم بمجرد وصول كتاب من مجلس القضاء الاعلى الى مجلس النواب وانما يجب ان يخضع الى تصويت الاغلبية البسيطة اي بمعنى ان يكون هناك نصاب متحقق، مبيناً أنه غالبا ما تتأثر هذه القضايا عادة بمواقف الكتل السياسية لتعود إلى 
ادراجها".
وأوضح حرب أن رفع الحصانة لم يحدث بشكل دقيق الا مرة واحدة في عام 2008 التي تم الطعن بقرار مجلس النواب امام المحكمة الاتحادية العليا التي بدورها أبطلت قرار مجلس النواب برفع الحصانة عن أحد النواب، مؤكداً أن "رفع الحصانة عن المشرعين خاضع لارادات الكتل السياسية وموافقاتها". ولفت الخبير القانوني إلى أن طلب رفع الحصانة يتعلق بجرائم النزاهة فقط وليس بالجرائم الاخرى، موضحاً أنه حتى الآن لم يأت طلب من قبل مجلس القضاء الى مجلس النواب برفع الحصانة عن تهم تتعلق بالارهاب او القتل وانما بالنزاهة فقط!.
 
قناعات مختلفة 
من جانبها، ترى النائب عن ائتلاف النصر الدكتورة ندى شاكر جودت أنه اذا كانت هناك ارادة حقيقية لتطهير البلد وبناء المؤسسات بشكل صحيح منذ البداية لتمت احالة من يشار لهم باصبع الاتهام الى المساءلة والعدالة، معبرة عن أسفها من انعدام هذه الإرادة "والدليل ان المشهد السياسي لم يشهد على مثول الفاسدين امام القضاء لمحاسبتهم".
وتشير جودت، في حديث لـ"الصباح"، الى نقطة جديرة بالاهتمام وهي أن المجلس اذا أدرج هذا الطلب في جدول الاعمال وتم التصويت عليه سنكتشف بصورة واضحة الجهات التي تقف ضد الفساد والأخرى التي تتستر عليه. 
في حين يذهب رئيس مركز العطاء الستراتيجي وتنمية القدرات، المحلل السياسي الدكتور حسين مشتت ال شبانة، الى أن اغلب الكتل السياسية تعاني من مأزق رفع الحصانة عن بعض اعضائها لذا فان اثارة ادراجها ضمن جدول الاعمال لن تسير كما نطمح له بفضح الفاسدين وسيكون للاحزاب موقف اخر.
وأبدى آل شبانة، في حديث لـ"الصباح"، تشاؤمه من أن طلب القضاء الاعلى لن يمرر باتجاهه الصحيح لما له من تأثير سلبي في بعض الاحزاب السياسية امام جماهيرها إذا ما ظهرت مؤشرات الفساد على بعض اعضائها.
وعدّ آل شبانة طرح موضوع رفع الحصانة في مجلس النواب عن بعض الفاسدين انتصارا للشارع وسيعيد ثقته بقرارات مجلس النواب فضلا عن وضع حاجز أمام تمادي بعض النواب في الاستيلاء على المال العام وسيعطي دورا للسلطة التشريعية في متابعة القضايا الشائكة ووضع البرلمانيين تحت مجهر السلطة الشعبية، متسائلاً: هل بإمكان مجلس النواب ادراج هذا الملف "الخطير" ضمن اعماله والتصويت عليه؟؟!
يشار إلى أن مجلس النواب تسلم، أمس الثلاثاء، أكثر من 40 طلبا من القضاء لرفع الحصانة عن نواب، متهمين بقضايا فساد وشبهات أخرى.
وقال عضو لجنة النزاهة خالد الجشعمي، في تصريح صحفي: إن "رئاسة المجلس تسلمت أكثر من 40 طلبا من الجهات القضائية لرفع الحصانة عن نواب، بقضايا مختلفة لا تتعلق بفساد فقط".
وأضاف الجشعمي أن "هذه الطلبات لا تزال حتى الآن لدى رئاسة مجلس النواب، ولم تعرض على اللجان البرلمانية المختصة، لمعرفة هوية النواب المعنيين".