بناء خيالي في فضاء واقعي

ثقافة 2019/07/27
...

زعيم نصّار
أجد مقولة القاص التريندادي ميشال انطوني التي تنص على “ ان عملاً خيالياً يقوم على الحقيقة إنما يحمل معنى أكبر من ذلك العمل الذي ينبع كلياً من الخيال” مناسبة تماماً عن عمارة زها حديد التي تعتبر صرخة في ما قدمته منذ عقدين من الزمن من أعمال في الرسم أو في العمارة، وكما قيل عنها في الغرب انها صاحبة الجدلية في العمارة، كما كان هيغل صاحب الجدلية في الفلسفة. ان جدليتها العميقة تتمركز في طاقتها الحركية بين الواقع والخيال. 
ان عناصر أعمالها ترتبط بوشائج قوية ومتبادلة وغنية بالايحاءات، وكأن عمارتها تسرد لنا حكاية ينتظم فيها الخيال، انها تصنع لنا نظاماً خيالياً من الحجر والموسيقى، فهي تخلق بديلاً روحياً لظاهرة مادية، في عمارتها تكون العلاقات بين الأضداد ممكنة، ولغة شخصية مليئة بصور الطفولة، بيئة واقعية، احلام بعيدة، وحياة متخيلة، وليدة اندهاشها حيال ما تعيشه يومياً بين مخلوقات كثيرة واشياء ضاجّة بوجودها، فهي حقّاً صانعة القرن الحادي والعشرين.
 
العاصفة الثلجية
تمتاز اعمالها بأشكال انسيابية تشكّل كتلاً منحوتة كأنها نصب فنية. ففي عمل لها يحمل عنوان “ العاصفة الثلجية”  نجد فضاءً تجريبياً للمبنى وعلاقته بالأفق الداخلي والخارجي، فهي لا تلتفت إلى الخلف في وضع فكرة عملها وعناصرها التي تمتاز بخيال مبتكر يستهجنه دعاة التراث. يتكون العمل من مجموعة عناصر منحوتة تزن مع بعض ثمانية اطنان وبارتفاع سبعة امتار، يمثل رؤيتها للفضاء والشكل في العمارة الذي يختفي فيه كل ما هو أفقي وعمودي وتستعيض عنهما بخطوط منحنية تشكّل مع بعض كتلة منحوتة
 من البلاستيك.
 إنه محاولة لاظهار تأثير البيئة، أو بالأحرى مثال لذلك . وانه محاولة لاستنباط أشكال جديدة باستخدام مواد عضوية، ومن مبادئ زها حديد التصميمية، الحركة الانسيابية للشكل دون الاهتمام بإعادة الأشكال الهندسية، انه إعادة تخطيط للفضاء، فهي ترى ان “هناك 360 درجة فلماذا نتقيّد بواحدة؟” 
 
بنايات من أشرعة القوارب
عمارة زهاء حديد التخييلية بإمكانها إحداث تغيير في حياة الناس، لقد كان المعمار في دمها، منذ أن زارت آثار سومر في جنوب العراق لأول مرة، حيث بدأ هذا الفن هناك، وأنشئت أولى المدن. 
إن والدها كان صديقاً لويلفريد ثيسيفر، المستكشف الإنكليزي حيث تعرّفت على الأهوار – جنوب العراق – من خلال كتبه والصور الفوتوغرافية، قبل أن تذهب لزيارة المنطقة كانت في سن المراهقة عندما أخذها والدها لزيارة الآثار السومرية، هناك ركبت الزوارق المصنوعة من أعواد القصب، لزيارة قرى في الأهوار، جمال المناظر الطبيعية هناك لم يفارقها قط، رمال، مياه، قصب، طيور، بيوت، وأناس، وكل شيء يطفو فوق المياه، إنها مشاهد طبيعية أثرت بها كثيراً استمرت تكتشف، تخترع. العمارة وبعض أشكال الخطط الحضارية، يفعلان الأشياء نفسها بطريقة معاصرة، فهي بدأت بمحاولة تشييد بنايات تتوهج مثل قطع مجوهرات منعزلة وتريدها أن تتوحد، كي تشكل نوعاً جديداً من المشاهد الطبيعية، ان تطفو مع المدن المعاصرة
 وحيوات سكانها.
 
سفينة فضائية على الأرض
كتب المعماري اندرياس روبي عن مشاريعها {ان مشاريع زها حديد تشبه سفن الفضاء تسبح دون تأثير الجاذبية في فضاء مترامي الأطراف، انها لا تملك علواً ولا اسفل، لا تملك واجهة ولا خلف، مبان في حركة انسيابية في الفضاء المحيط، من مرحلة الفكرة الأولية لمشاريعها إلى مرحلة التنفيذ تقترب سفينة الفضاء إلى سطح الأرض، وفي استقرارها تعتبر اكبر عملية مناورة في مجال المعمار} بهذا تختلف عمارتها عن العمارة التراثية في انها تفرق بين المسقط والعمارة وبين المسقط والمبنى. في مشروعها قاعة الموسيقى “الفيلهارمونيكا “ في لكسمبورغ تظهر أصالة العمل المعماري لموقع المشروع، ومن المشاريع الملفتة للنظر لاعمالها “ متحف العلوم “ في فولفسبيرغ الذي تحت الإنشاء الآن ويتكون من قرص كبير بارتفاع ستة أمتار وضع بشكل أفقي وكأنه يسبح في الفضاء على موقع 
مثلث الشكل. 
وفي مجال التخطيط العمراني حل الفضاء الذي تحته بشكل جميل، جعل من المبنى ومحيطه عالماً خيالياً ساحراً، ويحمل القرص العديد من العناصر الإنشائية التي استخدمت لإغراض وظيفية مختلفة، دكان لبيع التحف، ولبيع الكتب، مطعم وكافتريا، من الممكن القول ان عمارة زها حديد هي مسرح لاعادة تصميم المشهد الحضاري بأكمله، فراغات وأماكن علينا ان نجتهد بتخيّلها.  وفي الخلاصات الأخيرة ارى ان 
زها حديد:
تجاوزت قيود الحرس القديم لمهنة يسيطر عليها الذكور بشدة.
ملكة المنحنى في تصميماتها المعقدة الأنيقة، أسطورة.
حزمها شاخص فوق جرف محفور.
طاقتها الابداعية خارقة للقلب.
وهرها علاقة انعكاسية بين العقل وبين اليد. 
بعيدة عن أن تكون مملة فقوس حياتها موسيقى.
جوهر سحرها هو تصميم كائنات رائعة صنعت سياقها الخاص.
عمارتها تغير حياة الناس نحو الأجمل.