تأثيرالعوامل الاجتماعية في القدرة المعرفية للأطفال
اسرة ومجتمع
2018/11/09
+A
-A
بقلم/ ريتا ديميس - ترجمة/ نادية المختار
من الممكن ادراك ربط الوضع الاجتماعي بفرص أفضل للحياة والانجازات التعليمية للأطفال. ولكن هل هذا هو كل شيء عن الخلفية الاجتماعية والدخل الأسري المعيشي للوالدين، أم ينبغي أن يؤخذ في الاعتبار ماهية القدرات المعرفية الخاصة بالأطفال؟ تحقق الأبحاث الحديثة في المجالات الأساسية الأربعة من الخلفية الاجتماعية للوالدين تجاه قدرة الأطفال المعرفية لفك شيفرة تأثيراتها في النتائج التعليمية.مستويات الدخل
قام البروفيسور جورج اريكسون، استاذ طب الاطفال التعليمي والنفسي في جامعة مالمو، السويد، بدراسة التفاعل وتبادل التأثير بين ثقافة الأبوين، والطبقة الاجتماعية، والوضع البيئي المجتمعي والمكاسب، اضافة الى العلاقات بين المعلمين والطلاب الصغار فيما يتعلق بالقدرة المعرفية للأطفال والنتائج التعليمية.
شارك في الدراسة ما يقرب من 28 ألف طفل سويدي، تم اختيارهم عشوائيا وتم تقسيمهم الى4 مجموعات بأعمار تراوحت بين سن
الـ 13-6 عاما. وأخضعوا في عدة اختبارات لتقييم مهارات التواصل اللفظي والوعي المكاني والتفكير العددي. ثم قورنت النتائج التي تشير الى مستويات القدرة المعرفية لكل طفل طبقا لمستويات تعليمه التي تتراوح بين التعليم الابتدائي والثانوي. وتمت مقارنة البيانات مقابل تعليم الوالدين من الأعلى مهنيا الى البسطاء، وكذلك الوضع الاجتماعي ومستويات الدخل المعيشي.
تكاليف التعليم
وأظهر تحليل الخلفية الاجتماعية لكل طفل- بشكل كبير- أن جميع العوامل لها تأثير مستقل في نتائج التعليم. فقد ثبت أن تعليم الأبوين والطبقة الأجتماعية والمعيشية العليا لديهما تعد من أقوى العلاقات المتطابقة مع النتائج التعليمية الجيدة، في حين أن دخل الوالدين الأضعف كان مؤشرا على تراجع التعليم وعدم الاكتراث الجدي به من ناحية الأسرة الى حد واضح. وعلى ما يبدو أن الآباء الأكثر تعليما يؤثرون في تطلعات أطفالهم التعليمية، وبالمحصلة النهائية يكونون أكثر قدرة على دعم دراساتهم وتنقل أبنائهم من خلال نظام التعليم. اذ قد يعتبر الوالد المهني أن التعليم العالي ضرورة ملحة لأولاده وقد يكون أكثر احتمالية للحصول على الوسائل اللازمة لتغطية تكاليف التعليم واختيار مدارس أفضل. فيما قد لا يرى هذه المسألة بالأهمية ذاتها الأبوين اللذين ينحدران في الغالب من مستوى تعليمي بسيط أو غير عال. وان كان الأمر برمته لا يمكن تعميمه واعتباره شرطا قاطعا، الا ان الواقع يفرض نفسه في حالات عديدة وفقا لدراسات بحثية مجتمعية عديدة.
ومع ذلك، تشير دراسة البروفيسور اريكسون، الى ان30 بالمئة فقط من تأثير الخلفية الاجتماعية على التحصيل العلمي يتم توجيهه من خلال القدرة الادراكية، مع تحول70 بالمئة المتبقية بطرق
أخرى.
ويتناقض هذا الاكتشاف المنخفض نسبيا مع دراسة سابقة التي وجدت أن العلاقة بين الطبقة الاجتماعية مقابل التحصيل العلمي يمكن أن يسهل بشكل كبير من خلال القدرة على التعليم.ويخلص اريكسون، الى أن معظم تأثيرات هذه العوامل (الخلفية الاجتماعية) تنتقل عبر آليات أخرى غير القدرة الادراكية. وبالتالي، فان القدرة الادراكية هي حلقة وصل مهمة بين الخلفية الاجتماعية والتحصيل التعليمي رغم أنها أبعد من أن تكون الآلية الرئيسة
وراء ذلك.
العلاقات القوية
العلاقة بين المعلمين والطلاب وليس المال- هي المفتاح لتحسين المدارس:
في دراسة مماثلة وجد الباحثون أن العلاقات الاجتماعية السليمة بين أفراد الأسرة الواحدة التي تعتبر بمثابة رأس مال المجتمع ككل، لها تأثير فعال يعادل 3-5 أضعاف تأثير التمويل المادي، كونها تحقق تأسيس اللبنة الاجتماعية الأولى المهمة في مجمل سير الحياة سواء للطفل أولا أو للأسرة والمجتمع ثانيا. كما أظهرت الدراسة أيضا، أن العلاقات القوية بين المعلمين وأولياء الأمور والطلاب في المدارس لها تأثير أكبر على تحسين تعلم الطلاب يفوق تأثير الدعم المالي.
رأس المال الاجتماعي
يطلق العلماء تسمية “رأس المال المحيط الأسري” على شبكة العلاقات بين مسؤولي المدرسة والمعلمين وأولياء الأمور والمجتمع الذي يبني الثقة والمعايير التي تعزز الانجاز الأكاديمي.يقول الدكتور روجر جودارد، ريئس الشؤون الادارية بجامعة اوهايو الاميركية: “عندما نتحدث عن سبب أداء بعض المدارس بشكل أفضل من غيرها، فغالبا ما يفترض أن يكون هناك اختلاف في مقدار المال الذي يتعين عليهم انفاقه. ونحن بلا شك وجدنا أن المال مهم بالتأكيد، ولكن هذه الدراسة تظهر أيضا أن رأس المال الاجتماعي يستحق دورا أكبر في تفكيرنا حول الطرق الفعالة من حيث التكلفة لدعم الطلاب وخاصة الأكثر ضعفا.”
مشاركة الوالدين
وفي استبيان لقياس مستويات رأس المال الاجتماعي في المدارس قام المعلمون بتصنيف مدى اتفاقهم مع عبارات مثل “مشاركة الوالدين تدعم التعلم هنا” و”يثق معلمو هذه المدرسة بطلابهم” و “تساهم مشاركة المجتمع جديا في التعلم هنا.” وقد تم الا ستناد على بيانات الدولة الرسمية عن النفقات التعليمية لكل تلميذ لقياس رأس المال المادي في كل مدرسة.
واستخدم الباحثون أداء الطلاب في اختبارات القراءة والرياضيات المقرر اجراؤها في الفصل الرابع من أجل قياس تعلم الطلاب. وأظهرت النتائج أن في المدارس التي تنفق المزيد من المال كان لديها نتائج اختبار أفضل من تلك التي أنفقت مقدارا أقل. لكن تأثير رأس المال الاجتماعي كان أكبر بثلاثة أضعاف من رأس المال المادي في درجات الرياضيات وخمسة أضعاف في نتائج درجات القراءة.
الاحياء الفقيرة
يقول جودارد: “رأس المال الاجتماعي لم يكن فقط أكثر أهمية للتعلم من الانفاق التعليمي، ولكنه كان أكثر أهمية من فقر المدارس، أو التركيب العرقي أو الانجاز المسبق”.
وفي حين أن رأس المال الاجتماعي يميل الى النزول في المدارس مع زيادة مستويات الفقر، الا انه لم يكن هناك انخفاض كبير.
الا ان جوادرد يوضح: “يمكننا أن نرى من بياناتنا أن أكثر من نصف رأس المال الاجتماعي الذي تستطيع المدارس الوصول اليه، لا علاقة له بمستوى الفقر في المجتمعات التي تخدمها. فنتائجنا تتحدث حقا عن أهمية وفاعلية بناء رأس المال الاجتماعي في الأحياء الفقيرة حيث يحتاجون اليها أكثر من غيرهم”.كما وجدت الدراسة أن الأموال التي تنفق على تعلم الطلاب لم ترتبط بمستويات رأس المال الاجتماعي في المدارس.
وهذا يعني أن المدارس لا تستطيع “شراء” رأس المال الاجتماعي عن طريق انفاق المزيد من المال. فالعلاقات الاجتماعية الرصينة والسليمة تتطلب نوعا مختلفا من الاستثمار.
مردود ايجابي
يقول اريكسون: “تظهر الأبحاث أن المزيد من المعلمين يتعاونون، وكلما عملوا معا على تحسين التعليم كلما ارتفعت درجات الاختبار لطلابهم. ذلك لأن العمل التعاوني يبني رأس المال الاجتماعي الذي يوفر للطلاب فرصة الحصول على دعم قيّم. اذ ان بناء الروابط مع المجتمع أمر مهم أيضا. كما تعتبر برامج التوجيه المدرسي التي تربط الأطفال بالبالغين في المجتمع فكرة واحدة تلقى القبول بسبب مردودها الايجابي
على الطلبة.”
ويخلص جودارد: “التفاعلات المستمرة مع مرور الوقت تركز على تعلم الأطفال وممارسة التدريس الفعالة هي أفضل طريقة للناس لبناء الثقة وبناء الشبكات التي هي في صميم رأس المال الاجتماعي. نحن بحاجة الى جهد متعمد من قبل المدارس لبناء رأس المال الاجتماعي، اذ لا يمكننا تركه للصدفة وانما ينبغي انينبع من مصدر راسخ للحصول على نتائج جيدة للغاية، وهذا هو ما نرجوه كما أظن.”
عن صحيفة نيويورك تايمز