فلسفة العلوم المجتمعيَّة والإنسانية

ثقافة 2019/08/02
...

 د. محمَّد حسين الرفاعي
ترتبط فلسفة العلوم، الإبستيمولوجيا، بالمعرفة العِلميَّة الحديثة الناتجة عن علوم الفيزيقا بعامَّةٍ، والرياضيات. وقلَّما نعثر على كتاب أو مقال علمي يضع على عاتقه البحث في إبستيمولوجيا العلوم المجتمعيَّة والإنسانية. فما الذي يحدث حينما تنتقل الإبستيمولوجيا من علوم الفيزيقا، إلى علوم المجتمع والإنسان؟ 
ويرتبط هذا التَّساؤل بفهم كلاسيكي للفلسفة بعامَّةٍ، وللإبستيمولوجيا، بخاصَّةٍ. في جذره، هذا التَّساؤل، وما يتفرع عنه، يتساءل عن شيء آخر هو هذا: هل العلوم المجتمعيَّة، والإنسانية، يمكن أن تبلغ مستوى العلوم الصحيحة أو لا؟ وفي معنى أكثر جذريَّة: هل تستطيع هذه العلوم أن تبلغ مستوى العلم أم لا؟  
II
إنَّ الإتيانَ من العلوم الصحيحة والرياضيات، يكشف لنا عناصر تنتمي إلى منطق الفهم في علوم المجتمع والإنسان. 
إنَّ التعقيد في علوم المجتمع، والإنسان، إنَّما هو مُكَوِّن أساسي لموضوع علوم المجتمع والإنسان. وذلك عائد إلى أن الموضوع في العلوم الصحيحة قائم وجاهز ويقدم نفسه كشيء ليس يتطلَّب بناءً. وذلك انطلاقاً من وجود نموذج معاينة (ملاحظة) Model of Observation جاهز هو يكون في المختبر، أو البرنامج Program، دائماً بالانطلاق من معادلات عقلية جاهزة. 
بَيْدَ أنَّ الانتقالَ إلى علوم المجتمع والإنسان يتضمَّنُ الإنتقالَ إلى عالَم مجهول، ضبابي، ملتبس، غير واضح المعالم، في كُليَّتِهِ. أكاد أقول هو انتقال إلى الفوضى. 
ومن جهة كونه كذلك، فإنَّ موضوع علوم المجتمع والإنسان، إنَّما هو في طور من الإنتظار الدائم لــ : بناء التَّساؤل← إعادة بناء التَّساؤل←  تحديد المفهوم←  إعادة تحديد المفهوم←  بناء المفهوم←  إعادة بناء المفهوم←  بناء الفهمِ الكُلِّيّ بالموضوع←  وإعادة بناء الفهمِ الكُلِّيّ بالموضوع؛ وبالتأكيد لا يمكن أن يكون كل هذا إلاَّ انطلاقاً من المنهج، وتساؤل المنهج. 
III
إنَّ أوَّل تحدٍّ منهجي أمام العلوم المجتمعيَّة والإنسانية إنَّما هو يبدأ من تحديد عنوانها. لقد درجت العادة على تسمية السُّوسيولوجيا بعلم الاجتماع. وهذي التسمية هي لا تتضمَّنُ، بالتأكيد، [موضوع- العلم]. إنَّ موضوع السُّوسيولوجيا إنَّما هو المجتمع، وليس الاجتماع. فالمجتمع من جهة كونه نتيجةً أخيرةً للاجتماع البشري هو الذي يُبحث ويُدرس ويُتساءل عنه، داخل السُّوسيولوجيا، وعمليات بناء موضوعها. وعلى ذلك، ننتقل إلى العلم، في اللَّحظة التي ننتقل إلى لغة علميَّة جديدة، بعيدة عن الإنشاء، والسرد، والروائيَّة. 
IV
فكيف نصبح داخل إبستيمولوجيا العلوم المجتمعيَّة والإنسانية، وكيف نمارس ممارسة علميَّة داخلها؟ 
إنَّ ذلك لا يمكن أن يكون إلاّ بالانطلاق من الخروج التام إلى: 
I - الانتقال من أي موقف آيديولوجي يرى العالَم ضمن موقفَيْ: الـ[مع-...]، أو الـ [على- الضِّدِّ- مِنْ-..]، إلى موقف إبستيمولوجي- علمي يفهم الصراع المعرفيّ بين النظريَّات والمفاهيم والمناهج والأفكار بوصفه شيئاً يتطلَّب الفهم، وبناء الفهم به،
II - الانفتاح على التعقيد Complexity، والفهم انطلاقاً من ضروب التفكير الفلسفيَّة التي يُمكن لها أن تمكِّنَنَا من الكشف عن العقبات المعرفيَّة، والمجتمعيَّة التي تحول دون تشييد بناء العلم، ومؤسسة العلم، وحقل العلم، في مجتمعاتنا العربيَّة، 
III - الكشف عن السُلَطِ المختلفةِ التي تمارس تحكُّمَها وضَبطَها للممارسة العِلميَّة، في مجتمعاتنا العربيَّة.
IV - إعادة بناء لغة علميَّة بعيدة عن كل ضروب الجمالية اللغوية تتناسب مع اللياقة الفلسفيَّة والعلمية المتعلقة بالتساؤلات الجديدة، [في- كُلِّ- مَرَّةٍ].