القاضي ناصر عمران الموسوي
لم يأت قانون العقوبات العراقي النافذ رقم 111 لسنة 1969 المعدل بتعريف للدولة او مؤسساتها او هيئاتها الا انه جاء بتعبير مهم لمصطلح (البلاد ) في المادة (189 /3 ) وعرفها بانها اراضي جمهورية العراق وكل مكان يخضع لسيادتها بما في ذلك المياه الاقليمية والفضاء الجوي الذي يعلوها والسفن والطائرات العراقية وكذلك الاراضي الاجنبية التي يحتلها الجيش العراقي وتدرج في تشريع الجرائم والعقوبات طبقا للسياسة الجنائية وتحقيقا ً للحماية القانونية التي تبتدئ بالمواطن والوطن ولا تنتهي عند حدود المؤسسات والهيئات التي تشكل بمجموعها كيان الدولة وسلطاتها العامة .
وقد شكل حدث التغيير الديمقراطي وضعا ً قانونياً واجتماعياً واقتصادياً وثقافياً جديداً كان من ابرز سماته الايجابية ممارسة الحرية تعبيراً وسلوكاً وبضمانات دستورية وقانونية وبالمقابل فان هناك نصوصاً عقابية للسلوك المجرم باسم ممارسة التعبير وحرية الرأي، وكلنا نشاهد يومياً طرق التعبير عن الرأي في مواضيع شتى كان الحديث عنها من المحرمات القانونية والاجتماعية وكانت الدولة وادارتها التي تشكل التماس المباشر بحياة المواطن المحور الرئيس الموجهة اليه طرق التعبير عن الرأي الذي اخذ شكله النقدي المباشر عبر الاداء الشعبي العفوي حيناً والمنظم جماهيرياً وحزبياً وسياسياً ونقابياً في احيان كثيرة ،وهي حالة ليست سلبية وانما هي جزء لا يتجزأ من آليات العمل الديمقراطي ولكن ضمن الحدود المشروعة فالنقد للمؤسسات والهيئات التي تشكل بمجموعها الدولة وادارتها حكومياً.
فان هناك ضمانات وحماية قانونية لهذه الهيئات ومن ضمن تلك الضمانات هي الحماية الجنائية للمجالس والهيئات الرسمية والادارية والقضائية اثناء ممارستها بأداء عملها الوظيفي من الاهانة فقد نصت المادة (292) من قانون العقوبات على فرض عقوبة الحبس على كل من اهان مجلساً او هيئة رسمية او محكمة قضائية او ادارية اثناء تأدية واجباتها او بسبب ذلك ،و الهَيْئَةُ هي : الجماعةُ من الناس يعهد إِليها بعملٍ خاصّ.
و«هيئات الدولة » تعني : المؤسسات والمنظمات والإدارات العليا « الهيئة القضائية ، الهيئة السياسية أو الدبلوماسية» والحقيقة ان هذه الحماية الجنائية جاءت ضمن الحماية الجنائية للموظف من الاهانة والتهديد والاهانة هو كل تعبير عن فعل ناب يمس الهيئة واداءها واعضاءها وتشمل جميع صور الاعتبار والشرف الوظيفي مثل الاساءة والقذف وهي كل قول او فعل يحكم العرف بانه فيه حط من الكرامة واحتقار في اعين الناس والمواطنين ومعنى الاهانة لا يتحدد بصفة مطلقة بل هو امر نسبي يخضع لظروف الواقعة الجرمية ، ولم يشترط المشرع ان تكون الاهانة علنية على النحو الذي نص عليه القانون والذي يعني كل ما يقع تحت نظر الجميع او يصل الى سمعهم او يمكنهم الاطلاع عليه بمشيئتهم ودون عائق وتدخل جرائم النشر والاعلان بضمنها وبالوسائل التي تضمنتها الفقرة 3 من المادة
19 وهي:
أ – الأعمال او الإشارات او الحركات إذا حصلت في طريق عام او في محفل عام او مكان مباح او مطروق او معرض لأنظار الجمهور او إذا حصلت بحيث يستطيع رؤيتها من كان في مثل ذلك المكان او إذا نقلت إليه بطريقة من الطرق الآلية.
ب – القول او الصياح إذا حصل الجهر به او ترديده في مكان مما ذكر او إذا حصل الجهر به او إذا أذيع بطريقة من الطرق الآلية وغيرها بحيث يسمعه من لا دخل له في استخدامه.
جـ - الصحافة والمطبوعات الأخرى وغيرها من وسائل الدعاية و النشر.
د – الكتابة والرسوم والصور والشارات والافلام ونحوها اذا عرضت في مكان مما ذكر او إذا وزعت او بيعت إلى أكثر شخص او عرضت للبيع في أي مكان. والاهانة جريمة عمدية يتمثل فيها الركن المادي للجريمة وهو فعل الاهانة الموجه الى المجلس او الهيئة الرسمية او المحكمة القضائية او الادارية اثناء ادائها لواجباتها او بسبب ذلك والركن المعنوي وهو القصد الجنائي وهو اتجاه ارادي للجاني بإهانة الهيئة الرسمية والتعدي عليها ولا يشترط في ذلك توفر اي نية خاصة و لا عبرة بالباعث على الاهانة ،فاذا تحققت اركان الجريمة توجب ايقاع العقوبة على مرتكبها ، والهيئات الرسمية لها ممثلها القانوني الذي يقوم بتحريك الشكوى ضد الجاني، مطالباً باتخاذ الاجراءات القانونية ومطالبا ً بالتعويض اذا ما كانت الاهانة قد شكلت ضرراً على الهيئة ،ونرى بان جريمة اهانة الهيئات الرسمية لابد ان تكون بلحاظ المشرع، كونها ترتبط بالمؤسسات الحاكمة والمرتبطة بإنفاذ القانون واهانتها والتعدي عليها هو انتهاك للقانون يوجب التعامل معه بحزم وعلى الممثل القانوني للهيئة الرسمية ان يكون حريصا ً على مكانة واحترام الهيئة التي يمثلها وانزال العقاب بالجاني يعني تحقيق حالة الردع القانوني وبالتالي احترام الهيئات والمؤسسات الرسمية التي تشكل اجهزة السلطة العامة التي تدار بها الدولة .