الطلاق الالكتروني عبر الهاتف النقال شرعا وقانونا

العراق 2019/08/26
...

القاضي ناصر عمران الموسوي
 
لاشك بان زيادة نسب  حالات الطلاق التي تطالعنا بها الاحصائيات الرسمية تشكل ظاهرة اجتماعية خطيرة تأتي بنتائج سلبية على البنى والروابط المجتمعية حيث يمكن تلمس اسقاطاتها على الاسرة الزوج والزوجة والاولاد، بل ان الكثير من جنوح الاحداث  يرجع سببه  الى التفكك الاسري ومنه الطلاق بين الابوين والذي يؤدي بهم الى ارتكاب الجريمة كبديل لتحقيق متطلباتهم واحتياجاتهم التي عجزت الاسرة عن تحقيقها اضافة الى تصدع المفاهيم الاجتماعية والانسانية والدينية التي حرص المجتمع بمختلف نشاطاته الاجتماعية والثقافية والدينية على تحقيقها ومثلما يكون الطلاق ظاهرة اجتماعية فهو واقعة قانونية  لها احكامها القانونية ولم يكن التطور التقني واستخدام اجهزة الاتصال الحديثة ومواقع التواصل الاجتماعي بمنأى عن استخدامها في ايقاع الطلاق  والمسمى بالطلاق الالكتروني والذي : هو أحد صور الطلاق التي ترسل أو تسلم أو تخزن، بوسائل الكترونية يتم عن بعد، والوسيط هنا لا يخرج عن كونه، جهاز حاسوب أو هاتفاً نقالاً، وهو وسيلة جديدة لإثبات الطلاق وليس نوعاً جديداً من الطلاق، يقع بالنطق به، أو ما يدل عليه كتابة، وقد عرف قانون الاحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 المعدل في الفقرة اولا ً من المادة الرابعة والثلاثين ، الطلاق بانه : (رفع قيد الزواج بإيقاع من الزوج او من الزوجة ان وكلت به او فوضت او من القاضي ، ولا يقع الطلاق الا بالصيغة المخصصة له شرعاً ) والصيغة المخصصة  بالطلاق المنجز هو ما يقع فيه الطلاق في الحال دون توقف على شرط او مجيء زمن مثاله (ان يقول الرجل لزوجته انت طالق ) والهاتف المحمول احد اهم نتاجات التطور الالكتروني الذي اختصر الكثير من صعوبات وتعقيدات الحياة وحقق ايجابيات كثيرة لعل اهمها الارتباط  المتلازم بين الشخص وجهاز هاتفه النقال والذي من خلال استخدامه اختصر الكثير من الاجراءات العملية التي كانت تكلفه جهدا ً جسدياً وماديا ً بل انه شكل علامه فارقة في القضاء على الكثير من البيروقراطيات الادارية لمصلحة تسهيل العمل الناجز والهاتف النقال ويسمى ايضا بالجوال او الخلوي : هو اداة من ادوات الاتصال اللاسلكي عن طريق شبكة من ابراج البث الموزعة ضمن مساحة معينة  ويعتمد في استخدامه على دائرة استقبال وارسال عن طريق اشارات الذبذبة عبر محطات ارسال ارضية ومنها فضائية ويحتوي على بطاقة صغيرة بها وحدة تخزين صغيرة جدا ًودقيقة ووحدة معالجة تخزن بها بيانات المستخدم الذي يتم من خلاله الاتصال بالآخرين ويسمى (السيم كارت ) وعلى ضوء ذلك اتيح للزوج الحصول على وسيلة سهلة ومختصرة دون حاجه الى تبليغ الزوجة عن طريق الاخرين او عن طريق المواجهة المباشرة عند ايقاع الطلاق ، والطلاق اما ان يكون باللفظ او بالكتابة  او بالإشارة، والحالتان الاوليتان كلاهما يمكن تحققها عن طريق جهاز الهاتف النقال ( الموبايل ) فاذا كان لفظا ً يستطيع الزوج الاتصال بزوجته فيقول لها انت طالق ويأخذ الطلاق في هذه الحالة حكم الطلاق اللفظي اما الطلاق عن طريق الرسائل القصيرة او البريد الالكتروني فيأخذ  حكم الطلاق بالكتابة والحقيقة ان المشكلة في هكذا حالات لا تكون باستخدام الوسائل والاجهزة الالكترونية وانما في مفهوم الطلاق وشرائطه الفقهية والقانونية مع اثبات الواقعة الكترونياً، فكلنا نعلم ان اجهزة الاتصالات ليست حكراً على مستخدمها اولا وثانيا ان وسائل التواصل الاجتماعي كثيراً ما يتم خرقها عبر (الهكرز)  ولان الطلاق هو سلوك ارادي مرتبط بشخص المطلق وله آثار قانونية واجتماعية خطيرة  فان الآراء الفقهية والنظرة القانونية تحيطه بالكثير من الاهتمام والعناية ولكنه بالمحصلة امر يتعلق بالحل والحرمة وهو الى الجانب الشرعي والمعتقد الديني اقرب في تنظيمه وعلى ضوء ذلك اخذ المشرع الوضعي ذلك بنظر الاعتبار ، فالطلاق شرعاً عند المذاهب الاسلامية يقع دون الحاجة الى حضور شاهدين عدليين باستثناء المذهب الجعفري الذي يوجب حضور الشاهدين ولا يقع الطلاق الا بحضورهما وبالتالي فان الطلاق عبر الهاتف النقال عن طريق الرسائل او بالاتصال لا يقع عند المذهب الجعفري في حين يقع عند جمهور الفقهاء وقد اصدرت الكثير من دور الافتاء فتاوى شرعية اعتبرت فيها الطلاق واقعا ًومنتجا ً لآثاره  فاذا كان لفظا ً اخذ حكم الطلاق اللفظي والمواجهة بين الزوجين وان كان عن طريق الرسائل اخذ حكم الطلاق الواقع كتابة ً مع الاخذ بنظر الاعتبار كون ارادة الزوج متحققة فلا يقع ان كان مدهوشا ًاو مكرها ًوحسب ما صدر عن دار الافتاء العام الاردنية بالعدد 961 في 28 / 11 / 2010 ، ان الثورة التقنية التي احدثت تغييراً هائلاً ورسمت صورة جديدة اصبح من خلالها العالم قرية صغيرة ويمكن التواصل بشكل تقني وتجاوز الصورة النمطية للحضور المكاني وفرض الحضور الواقعي ، كل ذلك بحاجة الى تشريع قانوني يستوعب الوقائع القانونية التي يكون محلها وطريقة وقوعها اجهزة الاتصالات الالكترونية وان تعتبر دليلا قانونيا ومغادرة اعتبارها قرينة قضائية خاضعة للجواز والصلاحيات الاختيارية للقاضي كما تنص المادة (104) من قانون الاثبات العراقي رقم 107 لسنة 1979  والطلاق الالكتروني احد هذه الحالات فلابد من وجود تشريع ينظم حالات الطلاق بشكل عام وينظم احكامه ووقوعه بالطرق القانونية كما ان التطور التقني يدعو رجال الدين والقانون الى التعامل مع الجديد والمتغير بروح الشريعة وتحقيق مقاصد الشارع المقدس بشكل يضمن التطبيق السليم لاحكام الشرع والقانون .