البدائل العقابية و أثرها في تحقيق العدالة الجنائيةّ
العراق
2019/08/26
+A
-A
القاضي كاظم عبد جاسم الزيدي
لقد تيقن علم العقاب الحديث بان العقوبة لم تعد تفي بالغرض الذي وجدت من اجله و هو تحقيق الردع و منع العودة إلى ارتكاب الجريمة ، بل أصبحت السياسة الجنائية العقابية القائمة على فكرة سلب الحرية للرد على الجريمة تشكل عبئاً ثقيلاً على كاهل المجتمعات بسبب كثرة المحكومين ،لذا اتجه الفكر العقابي الحديث إلى تفادي الآثار السلبية للعقوبة السالبة للحرية على الجاني و المجتمع بالتفكير في موضوع بدائل السجن و العمل على توظيفها التوظيف المناسب و الذي يحقق الغاية المرجوة منها و قد تجسد ذلك في أعمال المؤتمرات الدولية و في توجه غالبية الدول إلى تبني نظام العقوبات البديلة .
لذا عملت التشريعات الجنائية الحديثة على إيجاد بدائل للعقوبات السالبة للحرية و بالأخص قصيرة المدة منها بهدف تأهيل المحكوم عليه و تعديل طباعه بحيث يعود عضواً نافعاً في المجتمع خصوصاً ان المؤسسات العقابية في كثير من الأحيان أماكن للانحراف و ليست للإصلاح و ذلك لتزايد اعداد المحكومين و اختلاطهم مع بعضهم البعض، فهناك من تحول من مرتكب جريمة عادية إلى مرتكب جرائم مخدرات و سارق و قاتل، و ان العقوبة قديمة قدم المجتمع الإنساني و هي من الإجراءات الأساسية لمكافحة الجريمة و الحد منها وان هدف العقوبة ليس مجرد الإيلام و الانتقام من الجاني بل الهدف منها بالدرجة الأساسية إصلاحه و إعادته إلى المجتمع مجدداً و تقسم العقوبات من حيث أثرها في إيلام الجاني إلى أربعة أنواع و هي العقوبات البدنية و العقوبات السالبة للحرية و العقوبات المالية و العقوبات الماسة بالاعتبار الاجتماعي والعقوبات في قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل هي الإعدام و السجن مدى الحياة و السجن المؤبد و السجن المؤقت و الحبس الشديد و الحبس البسيط و الغرامة إما بالنسبة للعقوبات الماسة بالاعتبار الاجتماعي هي العقوبات التي تنال من المحكوم عليه و تنقص قدره و تمس مركزه الاجتماعي و لعل أهمها نشر الحكم في الصحف و هذه العقوبات نص عليها المشرع العراقي في قانون العقوبات العراقي و اعتبرها عقوبات تكميلية، ان الهدف من العقوبة يتمثل في حماية القدر الضروري من المصالح المشتركة للجماعة و توفير الطمأنينة و تحقيق العدالة لهم و تحقيق الردع العام و الردع الخاص و ان العقوبة بمفهومها الحديث تحاول إدماج المحكوم عليه في المجتمع من جديد و تقويم المذنب، لذا تولد إجماع على ان السجن ليس بالمكان المناسب لإصلاح المحكومين و خاصة المعاقبين بعقوبات قصيرة المدة، لذا اتجهت الكثير من الدول إلى إبدالها بعقوبات بديلة و هي اتخاذ وسائل و عقوبات غير سجنية، بدلاً من استعمال السجن سواء كانت تلك الإجراءات المتخذة قبل المحاكمة أو اثناءها أو بعدها و ان التشريعات الحديثة عرفت اشكالاً مختلفة للعقوبات والتدابير البديلة و من أهمها نظام وقف التنفيذ إذ قد يصادف القاضي في كثير من الأحيان بان الجاني قد ارتكب الجريمة بطريق الصدفة أو اندفع نحوها بطريق العاطفة و ان حياته قبل ارتكاب الجريمة وظروفه بعدها تدعو إلى الاعتقاد بانه لن يعود إلى ارتكاب جريمة جديدة، لذا سيكون من المنطقي و المفيد عدم توقيع العقوبة عليه لذا نجد ان الكثير من التشريعات الجنائية الحديثة تهدد مرتكب الجريمة بتوقيع العقوبة ان هو عاد وارتكب خلال فترة زمنية معينة فعلاً جديداً يعاقب عليه القانون وهذا ما اخذ به المشرع العراقي في المادة 144 من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل و لعل من أهم شروطها ان تكون العقوبة المحكوم بها من العقوبات السالبة للحرية و ان لا تتجاوز مدة العقوبة الموقوف تنفيذها سنة واحدة و من بدائل العقوبة السالبة للحرية عقوبة الغرامة و هي إلزام المحكوم عليه بدفع مبلغ من المال لصالح خزينة الدولة فهي تحقق الردع العام والردع الخاص و من بدائل العقوبات السالبة للحرية إلزام المحكوم عليه بإزالة الإضرار التي أحدثتها جريمته و تعويضه و قد اتجهت الأنظمة العقابية المعاصرة إلى إيجاد بدائل فعالة لسلب الحرية مع الإبقاء على العقوبات السالبة للحرية و ما يسمى بالاستبدال الجزئي بمعنى ان المحكوم عليه يقضي جزءاً من العقوبة في وسط مغلق ثم يسمح له بقضاء المتبقي من فترة الحكم خارج السجن و الصورة الثانية هي استبدال سلب الحرية استبدلاً كلياً، إذ انه يستطيع قضاء فترة العقوبة في وسط حر و الوضع تحت الاختبار و هو تدبير علاجي من تدابير الدفاع الاجتماعي لعلاج المجرمين القابلين للإصلاح فإذا مضت تلك المدة ووفى المحكوم عليه بالالتزامات المفروضة عليه فان الحكم الصادر بالإدانة ينتهي إما اذا اخل بها فسوف تستأنف ضده إجراءات المحاكمة من جديد و من بدائل العقوبة المنصوص عليها في قانون أصول المحاكمات الجزائية العراقي رقم 23 لسنة 1971 المعدل نظام الإفراج الشرطي و هو إطلاق سراح المحكوم عليه بعقوبة سالبة للحرية بشروط تتمثل في التزامات تفرض عليه و تقيد حريته بحيث تتوقف إعادة إيداعه إلى المؤسسة العقابية على الوفاء بتلك الالتزامات و ان تطبيق هذا النظام ووضع المحكوم عليه تحت الإشراف لفترة من الزمن أصبح نظاماً معمولاً به في مختلف
الدول و ان هذا النظام يطبق على من يتمتع بسلوك قويم داخل المؤسسة الإصلاحية و ان خروجه لا يشكل خطراً على المجتمع و انه أوفى بالتزاماته تجاه الدولة و ان يمضي المحكوم عليه ثلاثة أرباع المدة المحكوم بها داخل المؤسسة العقابية و قد خفض المشرع العراقي الإفراج الشرطي بالنسبة للاحداث و جعلها ثلثي مدة الحكم و من بدائل العقوبات العمل للنفع العام وهو نظام عقابي يحل محل العقوبة السالبة للحرية و يكلف بموجبه المحكوم عليه بأداء عمل مجاني لصالح المجتمع في إحدى المؤسسات العامة و ذلك بعد موافقته و لمدة تقررها المحكمة في إطار الحدود المرسومة قانوناً و أهم ما يميز نظام العمل للنفع العام انه تدبير يتخذه القاضي الجزائي إثناء مرحلة الحكم و ان هذا النوع يمكن تطبيقه في مواد الجنح كإعادة غرس النباتات و مساعدة للمرضى و المعاقين و يمكن إخضاع المحكوم عليه لعدد من تدابير الرقابة و المساعدة و اذا اخل بالالتزامات المصاحبة للعمل تطبق بحقه العقوبة ومن بدائل العقوبات نظام الحرية النصفية ( نظام شبة الحرية ) و يقصد به وضع المحكوم عليه خارج السجن خلال النهار و رقابة الإدارة ليعود إليها في المساء ان الحاجة أصبحت ملحة لتغيير سياسة و طريقة تنفيذ العقوبة ما من شأنه الحد قدر المستطاع من استخدام عقوبة السجن و استبدالها ببدائل هذه العقوبة و السبب في ذلك يرجع إلى ان مجتمع السجن و ما قد ينطوي عليه في
كثير من الأحيان من ثقافة تعلم أساليب الاجرام و تخريج المزيد من المجرمين و ان هناك ضوابط لتطبيق العقوبات البديلة و هي عدم تعارض البدائل المراد تطبيقها مع حقوق الانسان و اتخاذ البدائل من قبل السلطة القضائية وموافقة المحكوم عليه على اخضاعة للبديل و الأخذ بنظر الاعتبار الظروف الاجتماعية و الشخصية للمحكوم عليه و ان لا يكون للمحكوم عليه سوابق قضائية و من الدول التي أخذت بنظام العقوبات البديلة الولايات المتحدة الأميركية في الحبس المنزلي و العمل للمنفعة العامة و نظام الوضع تحت المراقبة الالكترونية و السويد في نظام الغرامة اليومية و الاختبار القضائي و مصر في نظام العمل للمنفعة العامة وبالنسبة للمشرع العراقي قد اخذ بنظام وقف التنفيذ و الإفراج الشرطي و في قانون رعاية الاحداث العراقي رقم 76 لسنة 1983 في مراقبة السلوك و ان عقوبة الحبس قصيرة المدة عجزت عن تحقيق أهداف العقوبة المتمثلة بالردع العام و الإصلاح و التأهيل و ان هذه العقوبات و ان كانت قصيرة المدة إلا أنها تكلف الدولة أموالاً طائلة و نجد من الضروري إصدار قانون للعقوبات البديلة محل العقوبات قصيرة المدة والحكم بالغرامة بدلا من الحبس في الجنح البسيطة و إيجاد طريقة مناسبة لاستيفاء الغرامة و إلزام من لا يستطيع دفع الغرامة بالعمل للمنفعة العامة وضرورة التوسع
في نظام وقف تنفيذ العقوبة و نزع الصفة الجرمية عن الجرائم البسيطة و معاقبة مرتكبيها بالغرامة الفورية و إصدار أمر جزائي بها و العمل على تعديل قانون رعاية الاحداث و تبديل التدابير المنصوص عليها في جميع الجنح إلى عقوبات بديلة كالعمل للمنفعة العامة و الاختبار القضائي و العمل على إحلال العقوبات البديلة في نوع معين من الجرائم و خصوصاً التي لا تزيد عقوبتها على ثلاث سنوات و يجب النظر إلى العقوبات البديلة كتدابير عقابية مستقلة عن العقوبات السالبة للحرية قصيرة المدة باعتبارها تدابير غرضها التأهيل الاجتماعي
للمحكوم عليه.