اسطنبول / فراس سعدون
تتعامل تركيا في سوريا مع كل من الولايات المتحدة الأميركية وروسيا القوتين العظميين والخصمين التقليديين في العالم، للإبقاء على وجودها العسكري في الشمال السوري بهدف تدمير التنظيمات المسلحة الكردية في مناطق شرق الفرات وغربه، وحماية نقاط مراقبتها ومجاميعها المسلحة في إدلب.
العمل مع الولايات المتحدة
يحرز العمل التركي - الأميركي بشأن إنشاء منطقة آمنة في شرق الفرات تقدما يتحدث عنه المسؤولون في أنقرة وواشنطن.
وأعلن خلوصي أكار، وزير الدفاع التركي، تدشين مركز العمليات المشتركة، وبدء تنفيذ خطوات المرحلة الأولى لإقامة المنطقة الآمنة.
وذكر أكار أن عسكريين من تركيا والولايات المتحدة نفذوا أولى الطلعات المروحية، بالتزامن مع تدمير مواقع ومواضع عائدة للتنظيمات الكردية شرق الفرات.
وعدّ شون روبرتسون، المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية (بنتاغون) تنفيذ الطلعة المروحية نقطة تحول ناجمة عن جهود مركز العمليات المشتركة.
ونقلت وكالة الأنباء الرسمية التركية عن روبرتسون قوله: إن جنرالا من تركيا وآخر من الولايات المتحدة أجريا "الطلعة الاستكشافية"، مضيفا أن هذه الخطوة تظهر مدى إيلاء واشنطن اهتماما لمخاوف تركيا الأمنية على حدودها الجنوبية.
واتفق عسكريون أتراك وأميركان، في 7 آب الحالي، على 3 نقاط هي اتخاذ خطوات تهدف لمعالجة المخاوف الأمنية التركية، وإنشاء مركز عمليات مشتركة في تركيا لإدارة المنطقة الآمنة وتنسيق جهودها، والعمل على تسهيل عودة عدد كبير من السوريين الموجودين في الأراضي التركية إلى المنطقة المستهدفة.
وتصر أنقرة على 3 مطالب في المنطقة الآمنة، لم تتفق بعد مع واشنطن على تفاصيلها، وهي تحديد عمق المنطقة الآمنة، وإخراج حزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب الكردية من المنطقة بعد وقف تسليحها أميركيا وسحب أسلحتها الثقيلة، وتشكيل إدارة مدنية محلية في المنطقة.
العمل مع روسيا
ويواجه العمل التركي – الروسي ضمن اتفاق خفض التصعيد في سوريا تحديات جديدة مع تقدم القوات السورية باتجاه ناحية خان شيخون في إدلب، وتعرض رتل عسكري تركي لقصف جوي، لم يعرف ما إذا كان مصدره سوريا أو روسيا على وجه التحديد، عند نقطة المراقبة التاسعة وهي واحدة من 12 نقطة مراقبة تركية منشورة في إدلب طبقا لاتفاق خفض التصعيد.
وعلق وزير الدفاع التركي على هذه التحديات بالقول: "سنستخدم حقنا في الدفاع المشروع حتى النهاية، في حال أي هجوم ضد نقاط مراقبتنا أو وجودنا في إدلب".
وتحدث الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، مع نظيره الروسي، فلاديمير بوتين هاتفيا، عن التطورات الأخيرة في إدلب.
وأفاد وزير الدفاع بأن إردوغان أكد لبوتين أن انتهاك وقف إطلاق النار، والهجمات في إدلب تخلق أزمة إنسانية كبيرة، وتلحق الضرر بجهود الحل في سوريا.
واعتبر الوزير اعلان سوريا منطقة خان شيخون منطقة عمليات عملا مخالفا للاتفاق مع روسيا يجعل الموقف أكثر تعقيدا.
وقالت الرئاسة الروسية، في بيان عن اتصال إردوغان وبوتين: إن الرئيسين شددا على أهمية الالتزام باتفاقية سوتشي المبرمة بين أنقرة وموسكو يوم 17 أيلول الماضي، وتطهير كامل محافظة إدلب من المجموعات المسلحة.
وقال بوتين، قبل أسبوع، لنظيره الفرنسي، إيمانويل ماكرون، في بريغانسون جنوب فرنسا: "بعد توقيع الاتفاقات في سوتشي لإقامة منطقة منزوعة السلاح في إدلب كان الإرهابيون آنذاك يسيطرون على 50 % من الأراضي هناك، والآن يسيطرون على 90 %، ونحن نرى هجمات مستمرة من جانبهم".
ومن المقرر أن يلتقي إردوغان بوتين الثلاثاء المقبل في إطار زيارة رسمية إلى روسيا، ليناقشا ملفات عديدة على رأسها تحديات إدلب.
ويخشى مراقبون أتراك "وفاة" اتفاق سوتشي، كما يخشون إخلال الولايات المتحدة باتفاق المنطقة الآمنة.
ملاحظات في العملين
وقال علي سمين، الباحث في معهد بلغاسام للدراسات الستراتيجية التركي، لمراسل "الصباح" في اسطنبول، بشأن العمل التركي - الأميركي: إن "هناك عدم ثقة في العلاقة بين تركيا وأميركا خصوصا في موضوع سوريا".
وأوضح أن "أميركا اتفقت مع تركيا سابقا على مسائل وملفات معينة، ومنها خارطة طريق منبج، في 10 حزيران 2018، ولكن لم يتحقق من هذا الاتفاق سوى تسيير دوريات عسكرية مشتركة".
وأكد الباحث أن "أميركا تريد أن تفتح مسارا للتنظيمات الكردية إلى البحر المتوسط وأن تحفظ أمن إسرائيل، وتريد منطقة آمنة بعمق 5 - 15 كم لتحمي حزب العمال ووحدات الحماية، في حين تريد تركيا منطقة بعمق 32 كم تصل حتى حدود المالكية بين سوريا والعراق".
ورأى سمين، وهو أكاديمي متخصص في قضايا الشرق الأوسط، أن "تركيا قادرة على أخذ منطقة بعمق 15 كم وحدها بأسرع وقت، لكنها تريد أن تحكم قبضتها لتنال العمق الذي تريده، وإن لم تفعل هذا فستظل مع أميركا في خندق المحادثات".
وانتقد الأكاديمي تأسيس مركز للعمليات المشتركة في الأراضي التركية، على الرغم من بدء تدشين عمل المركز.
وتساءل "ما فائدة تأسيس مركز عمليات حاليا؟ ما الذي سيعملونه في المركز إذا لم تنفذ أي عملية ولا يدعم الستراتيجيات التركية؟"، وعقّب "فتح مكتب أمر سهل، أما المهم فهو هل سيساعد في تطهير المنطقة الآمنة من التنظيمات الكردية؟ وبدون ذلك فإنه سيتحول إلى مركز تخبر فيه تركيا أميركا بأنه ستنفذ عملية، وتخبر فيه أميركا العمال والوحدات بأن العملية ستنفذ وهكذا". واستطرد "وإذا عملت الاستخبارات الأميركية في المركز فستنتقل المعلومات خلال ساعتين، وسيهرب 90 بالمئة من المسلحين، وهذا ليس عمل دولة".
ووجد سمين أن "من الصحيح أن يكون المركز في المنطقة التي يتواجد فيها الأميركان داخل سوريا، لأنها تشهد كل حركات ومداخل ومخارج عناصر التنظيمات الكردية".
وعلق الباحث والأكاديمي على العمل التركي – الروسي بتشخيصه أن "هدف تركيا هو عدم إبقاء تنظيم إرهابي مثل العمال والوحدات في شمال سوريا، سواء عملت ذلك بالمشاركة أو بمفردها".
وذهب إلى أن تركيا "تريد أن تبعث رسالة مهمة لأميركا عبر العمل في جنوب إدلب، وهي أن بالإمكان تنفيذ اتفاقات وتطبيقها عن طريق العمل المشترك مع روسيا".
وخلص إلى أن "تركيا لديها نقاط مراقبة هناك بموجب اتفاق، وترسل دعما لتعزيزها، ولكن الحديث عن عملية هناك الآن غير صحيح".