سالم مشكور
وجود عدد كبير من مراكز الدراسات الفاعلة دليل على تطور الدول وتقدمها. ليس عدد المراكز هو المعيار، إنما مدى فاعليتها ومساهمتها في رفد صاحب القرار بالدراسات والمعلومات التي تمكنه من اتخاذ قرارات واقعية تحقق هدفها المنشود خصوصا في مجالات التنمية والبناء الاقتصادي والسياسي طويل الأمد، وهو ما يعرف بالتنمية المستدامة التي تأخذ بالاعتبار الأجيال القادمة في خططها وبرامجها.
هناك قائمة وضعت لأكثر من 25 دولة في العالم فيها مراكز دراسات فاعلة، ليس بينها أي دولة عربية. وحصة الفرد العربي من البحث العلمي تقل عن خمسة دولارات بينما حصة الأميركي 1000 دولار والسويدي أكثر من ذلك. في الدول العربية تشكل ميزانيات البحث العلمي أقل من واحد في المئة من الدخل القومي بينما تنفق الدول المتقدمة مليارات الدولارات سنوياً على الدراسات والبحوث. ولا يقتصر انتاج البحوث والدراسات على المراكز المتخصصة بذلك، بل هي جزء أساس من عمل الجامعات المرموقة التي طالما خرجت منها أفكار ونظريات شكلت منعطفاً كبيراً في المسيرة الإنسانية.
لا تقتصر «فاعلية» مراكز البحوث والدراسات أو «خزانات الفكر» كما تسمى في الولايات المتحدة، على غزارة وطبيعة انتاجها العلمي وواقعيته، انما أيضاً على وجود جهات رسمية، خصوصا تلك الراسمة للسياسات العامة التي تستند الى هذه الدراسات في خططها وقراراتها، كي تكون أكثر واقعية وأقرب الى التطبيق عملياً. فما فائدة أن يجري انتاج هذه الدراسات من دون أن تتحول الى واقع عملي؟. للأسف هذا ما يحصل في دول عديدة بينها العراق.
بعد العام 2003 ظهرت عندنا أعداد كبيرة من المراكز التي تعنى بالبحث، أغلبها متخصص في الشؤون السياسية والاقتصادية. أبحاث عديدة ظهرت، ودراسات علمية جدية جرى تقديمها الى الجهات الرسمية، من أجل حلّ عدد من المشكلات الكبيرة التي تعاني منها البلاد، لكن أياً منها لم يحظ بالاهتمام من قبل الجهات المعنية بل تظل حبيسة الادراج والغبار المتراكم عليها إن لم تأخذ طريقها الى حاويات القمامة. بإمكان جامعاتنا أن تكون منتجة للبحوث الجادة، ليس من خلال مراكز الدراسات فيها فقط، انما من خلال رسائل الماجستير وأطاريح الدكتوراه وبحوث التخرّج، والتي يمكن أن يشترط على الطلبة أن تختص بشؤون حيوية عراقية بدل عناوين مثل «العلاقات الصينية الأميركية» وأمثالها.
إن اعتماد الدول على مراكز الدراسات والجامعات فيما تنتجه من البحوث المؤثرة في السياسات يقلل من حالة الشخصانية في القرار وينقل البلاد الى مصاف الدول المؤسساتية المتقدمة.