وضع المرأة والطفولة في مناطق النزاعات المسلحة

آراء 2019/09/02
...

د.عبد الواحد مشعل
 
في زيارات ميدانية سواء عن طريق الصدفة أو لزيارة مريض أو مراجعة مستشفى ما ،تجد أمامك حالات محزنة ، ولاسيما أولئك الذين يعيشون اضطرابات نفسية وأزمات اجتماعية، وقد استوقفني مشهد عندما رأيت امرأة وأطفالها جالسون على الأرض في إحدى المستشفيات، ويظهر عليهم الكثير من التعب والاضطراب وعند الاقتراب منهم عرفت  أنهم يعانون من آثار النزاعات المسلحة في مناطقهم وقد استوقفني حديث بعض الأفراد الذين باتوا يتكلمون عن حالات أخرى مماثلة، وهنا لابد من الخوض في موضوع يحتاج الى دراسة وبحث عن هذه الحالات التي أخذت تنتشر في العراق  خلال السنوات الأخيرة والى أين وصل الحال بهؤلاء الذين يحتاجون الى رعاية نفسية واجتماعية مكثفة للتخفيف من الآثار النفسية التي وقعت عليهم جراء النزاعات العسكرية وما احداث الإرهاب والعنف في نفوس الأطفال والنساء من آثار لا تزال تتراكم ، إن أكثر الأفراد الذين يكونون عرضة لمثل هذه الاضطرابات هم الأطفال والنساء، لان هذه الفئات لا تتحمل المشاهد المفزعة التي تحصل أمامهم أو من 
حولهم .
 لقد أولت العلوم الاجتماعية وفي مقدمتها علم النفس والانثروبولوجيا وعلم الاجتماع اهتماما متزايدا في السنوات الأخيرة بقضايا الإنسان  في المناطق التي تشهد توترات وحروب أهلية ونزاعات مسلحة سواء لإبعاد أيدولوجية أو تحركها عوامل اقتصادية أو سياسية، ويعد العراق من بين البلدان التي شهدت نزاعات مسلحة وظروفا صعبة ولاسيما بعد سنة 2003 وما شهدته الساحة العراقية من صراع سياسي وأيدولوجي، ولعل المرحلة التي اجتاحت فيها عصابات داعش المحافظات الغربية تمثل نقطة جوهرية في زيادة معاناة الإنسان وخصوصا المرأة والطفولة، نتيجة  ما  شهدت تلك المناطق من دمار هائل للبني التحتية والمرافق العامة، ولعل اخطر تلك النتائج هو ما تعرض له الإنسان من تحديات نفسية واجتماعية واقتصادية ألقت بثقلها على هذا الإنسان، ولاسيما الحلقات الضعيفة في المجتمع التي أولها المرأة والطفولة وكبار السن.
يبقى الإنسان الرأسمال الأهم في إي إصلاح وتنمية ، لذا ينبغي الاهتمام به ومعالجة مشكلاته المختلفة، فكلما استطعت أن تأهل إنسانا تمكنت من تجاوز الآثار التي تتركها  الأزمات والحروب على المجتمع.
إن العمل على بناء المجتمع ليس بالأمر الهين ولكنه أيضا ليس بالأمر الصعب إذا توفرت النية الصادقة والإرادة الصلبة ونظمت الحياة على وفق قوانين تعمل السلطة التنفيذية على تنفيذها بموضوعية، إلا أن حالة التلكؤ والضعف في هذا الميدان لا تزال تلقي بضلالها على الواقع، وبسبب هذه المعضلة بقي ولا يزال  كثير من ابناء مجتمعنا يعانون  الكثير من الامراض النفسية وربما ستتعاظم هذه المشكلات الى فترات قادمة، إلا إذا توفرت القناعة لدى صناع القرار  بتأهيل الإنسان بصفته اداة التنمية والتغير.    
إن الانتباه الى الجانب النفسي بات امرا ملحاً في المرحلة الحالية ، بصفته متغيرا  من المتغيرات المؤثرة في الأمراض النفسية المختلفة،  كما أن اغلب الناس اليوم يعانون من ضغوطات نفسية نتيجة لظروف اقتصادية وأوضاع اجتماعية صعبة ومعقدة، فضلا عما يعانيه الأفراد من توترات يومية، فالصحة النفسية من العوامل الأساسية التي  تجعل الفرد  أكثر استقرارا واعتدالاً وتفاعلا مع الغير، فلا تزال العادات الاجتماعية تحول بين ما يشعر به الأفراد من اضطرابات نفسية وعدم إفصاحهم عنها خوفا من نعتهم بالجنون وغيرها، فلا تزال ثقافتنا في هذا الجانب قاصرة على الرغم من أن الأغلبية من الناس يعانون من هذا الجانب بشكل أو بآخر ،وعليه لابد من تقديم  بعض المقترحات لتطوير الرعاية النفسية   في مناطق العراق المختلفة، فهذه الظاهرة  أخذت تزداد انتشارا يوما بعد آخر، مسببة قلقا متزايدا لدى الأهالي وبعض الأوساط الطبية والاجتماعية.
 
مقترحات
1 - ينبغي إعطاء الصحة النفسية اهتماما  متزايدا في المرحلة الحالية، وآلية ذلك إنشاء مستشفيات للصحة النفسية في كل محافظات العراق مجهزة بأحدث الأجهزة والمختصين في الطب النفسي والتخصصات كعلم الاجتماع وعلم النفس والانثروبولجيا النفسية والخدمة الاجتماعية.
2 -ينبغي  إنشاء هذه المستشفيات على ضفاف الأنهار ،وأن تحتل مساحات خضراء كبيرة.
3 - يجب عدم الاستهانة بالجانب النفسي لان نصف أو أكثر  من أسباب الأمراض العضوية من جانب نفسي.
4 - ينبغي  على كل فرد في المجتمع العراقي  أن يعتبر نفسه بحاجة الى رعاية نفسية، وهو أمر طبيعي بعدما مر المجتمع  بسلسلة من الحروب والأزمات امتدت لفترة طويلة  اثرت فينا بدرجة او اخرى.
5 - القيام بحملة إعلامية واسعة عن طريق الإعلام الجديد بوسائله التي هي اصبحت متاحة للجميع مثل الفيسبوك ومواقع الانترنيت وموقع اليوتيوب وتويتر والقنوات الفضائية وغيرها تبين للناس أن الحاجة الى الرعاية النفسية مطلب أساسي مثله مثل إجراء الفحوصات الطبية التي يقوم بها  الأفراد بشكل دوري أو في فترات مختلفة، وتبصير أبناء المجتمع الى أن مراجعة الطبيب النفسي ليس عيبا وليس امرا غير مألوف،  والعمل بجد   باستبدال العادات الاجتماعية التي تنظر الى الصحة النفسية بمنظار سلبي الى ثقافة جديدة وعادات اجتماعية ترى انه من اكتمال الشخصية وصحتها أن تأخذ مجالا في مراجعة العيادات النفسية بدلا من الذهاب الى الطب الشعبي والأفراد الذين يمارسون السحر أو استخدام الأساليب الشعبية في العلاج .
6 - ينبغي إعطاء المناطق التي تعرضت  للإرهاب والعمليات  العسكرية اهتماما كبيرا من اجل تأهيل الإنسان فيها.
7- ينبغي وضع آليات حديثة لمعالجة أو تخفيف الضرر  أو الضغوط للأفراد الذين يتعرضون الى مواقف محزنة.